ولما كانت العادة جارية بأن أهل العرض ينقسمون إلى قسمين : مقبول ومردود، وذكر سبحانه وتعالى المقبول بادئاً به تشويقاً إلى حاله وتغبيطاً بعاقبته وحسن مآله، أتبعه المردود تنفيراً عن أعماله بما ذكر أحواله فقال :﴿وأما من﴾ ولما كان الدال على المساءة الإيتاء على وجه قبيح، لا تعيين المؤتي، قال بانياً للمفعول لذلك وللدلالة على ذل الأخذ وعدم قدرته على الامتناع عن شيء يسوءه :﴿أوتي كتابه﴾ أي صحيفة أعماله - أعاذنا الله من ذلك ﴿بشماله فيقول﴾ أي لما يرى من سوء عاقبته التي كشف له عنها الغطاء حتى لم يشك فيها لما يرى من قبائحه التي قدمها، وكل ما يأتي مما يوهم سكتة في ذلك اليوم فمن باب المكابرة والمدافعة بالباطل على ما كان عليه في الدنيا ﴿يا يلتني﴾ تمنياً للمحال، وجرى عن نسق ما مضى في البناء للمفعول الدال على ذله وعدم جبلته فقال :﴿لم أوت﴾ أي من مؤت ما ﴿كتابيه *﴾ أي هذا الذي ذكرني بخبائث أعمالي جزاءها ﴿ولم﴾ أي ويا ليتني لم ﴿أدر﴾ ولو حاولت الدارية ﴿ما﴾ أي حقيقة ﴿حسابيه *﴾ من ذكر العمل وذكر جزائه، بل استمريت جاهلاً لذلك كما كنت في الدنيا.
ولما تمنى هذين الشيئين، استأنف مراده بهما فقال لأنه رأى أن ما يستقبله شر مما كان فيه من البرزخ :﴿يا ليتها﴾ أي الموتة التي منها ﴿كانت القاضية *﴾ أي الباتة الجازمة الملزمة لدوام الموت الخاتمة عليها حتى لا يكون بعدها بعث ولا شيء غير الموت كما اكنت أعتقد في الدنيا ؛ قال الإمام الرازي : وفي الحديث "تمنوا الموت" أي إذ ذاك ولم يكن في الدنيا شيء أكره منه عندهم.
١٣٣