ولما أتم تصوير ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه من أن يأخذ السيئات أو أعوانه بيمينه ويكبحه كالسيف فيضربه عنقه، سبب عنه قوله إتماماً لعظمته بقوله :﴿فما منكم﴾ أي أيها الناس، وأعرق في النفي فقال :﴿من أحد عنه﴾ أي القتل أو المقتول المنقول، ولما كان " أحد " عاماً حقق عمومه واصفاً له، وأخبر عن " ما " على لغة الحجاز بقوله :﴿حاجزين *﴾ أي يكون حاجزاً جزماً كثيفاً مانعاً من الوصول إليه فلا غرض يتعلق من عاقل أن ينصح لأحد بنصيحة تعود إلى المنصوح وحده بالنفع ولاحظ للقائل فيها بكذب يكلف نفسه تقوله على ملك لا يقدر ذلك المنضوح أن يحميه من عقوبته على ذلك الكذب، واختار الإخبار بالجمع لأنه يدل على عدم حجز الفرد من باب الأولى و" منكم " حال لتقدمه، وهذا كله كناية على أبلغ الوجوه عن أن هذا الذكر كلام الله لا شبهة فيه بوجه، مضموماً ذلك إلى وجوه إعجازه، فإن " لو " لامتناع الثاني لأجل امتناع الأول، فالتقدير كما يقال في القياس الاستثنائي : لكنا لم نأخذه هذا الأخذ فثبت أنه ما تقول علينا شيئاً، فثبت أن ماقال كلامنا ثبوتاً تاماً بالبراهان على وجه لا يرام نقضه.
ولما كان هذا كناية عن هذا من غير نظر إلى حقائق مفرداته ولا معنى شيء منها على انفراده، فكان كأنه قيل : تنزيل من رب العالمين غير متخيل فيه الكذب بوجه، عطف على ذلك قوله :﴿وإنه﴾ أي القرآن بعد أن كان ذكراً لجميع العالمين ﴿لتذكرة﴾ أي مذكر عظيم جداً ﴿للمتقين *﴾ أي من العالمين لأنهم المنتفعون به لإقبالهم عليه إقبال مستفيد.


الصفحة التالية
Icon