ولما ذكر هذا الحفظ على هذا الوجه، ذكر ما أذن فيه في أسلوب الاستثناء إشعاراً بأنه كأنه لم يذكر فيخرج إلا بعد تقرير عموم الحفظ لا أنه مقصود ابتداء بقصد الصفة فقال :﴿إلا على أزواجهم﴾ أي بعقد النكاح.
ولما قدمهن لشرفهن وشرف الولد بهن أتبعه قوله :﴿أو ما﴾ عبر بما هو الإغلب لغير العقلاء ندباً إلى إيساع البطان في احتمالهن ﴿ملكت أيمانهم﴾ أي من السراري اللاتي هن محل الحرث والنسل اللاتي هن أقل عقلاً من الرجال.
ولما كان الناكح عبادة نادراً جداً، وكان الأصل في العبادة
١٥٣
الخروج عن العادة، وإن لم يتجرد للعبادة كن ملوماً، اكتفى في مدحه بنفي اللوم عنه، وأكده لأن الأصل كان استحقاقه للملام لإقباله على تحصيل ما له من المرام فقال مسبباً عن المستثنى :﴿فإنهم﴾ أي بسبب إقبالهم بالفروج عليهن وإزالة الحجاب من أجل ذلك ﴿غير ملومين *﴾ أي في الاستمتاع بهن من لائم ما - كما نبه عليه بالبناء للمفعول - فهم يصحبونهن قصداً للتعفف وصون النفس وابتغاء الولد للتعاون على طاعة الله.
ولما أفهم ذلك تحريم غير المستثنى ووجب الحفظ للفروج عنه، صرح به على وجه يشمل المقدمات فقال مسبباً عنه :﴿فمن ابتغى﴾ أي طلب، وعبر بصيغة الافتعال لأن ذلك لا يقع إلا عن إقبال عظيم من النفس واجتهاد في الطلب ﴿وراء ذلك﴾ أي شيئاً من هذا خارجاً عن هذا الأمر الذي أحله الله تعالى، والذي هو أعلى المراتب في أمر النكاح وقضاء اللذة أحنسها وأجملها.
ولما كان الوصول إلى ذلك لا يكون إلا بتسبب من الفاعل ربط بالفاء قوله :﴿فأولئك﴾ أي الذين هم في الحضيض من الدناءة وغاية البعد عن مواطن الرحمة ﴿هم﴾ أي بضمائرهم وظواهرهم ﴿العادون *﴾ أي المختصون بالخروج عن الحد المأذون فيه.
ولما ذكر العادي أتبعه الواقف عند الحدود فقال :﴿والذين هم﴾ أي ببذل الجهد من توجيه الضمائر ﴿لأماناتهم﴾ أي كل ما ائتمنهم الله عليه من حقه وحق غيره.