ولما كانت عادة الإنسان الإسراع إلى ما يقصده من الأعلام المنصوبة، وعادتهم - هم بالخصوص - المبادرة إلى الأنصاب التي يبعدونها ما هي عليه من الخساسة خفة منهم في العلوم وطيشاً في الحلوم قال :﴿كأنهم إلى نصب﴾ أي علم منصوب مصدر بمعنى المفعول كما تقول : هذا نصب عيني وضرب الأمير - هذا على قراءة الجماعة بالفتح، وعلى قراءة ابن عامر وحفص بالضم : إلى علم أو شيء يبعدونه من دون الله على ما فيه من الداء القاتل والبلاء، أو الحجر يذبحون عليه، قال في الجمع بين العباب والمحكم : النَصْب والنُصْب والنُصُب : الداء والبلاء : والنُصُب كل ما نصب فجعل علماً، والنَصْب والنَصَب : العلم المنصوب، والنُصْب والنُصُب : كل ما عبد من الله، والجمع أنصاب، والأنصاب حجارة كانت حول الكعبة تنصب فيهل عليها ويذبح عليها لغير الله، وانصاب الحرم : حدوده، وقال أبو حيان : والنصب ما نصب للإنسان فهو يقصده مسرعاً إليه نم علم أو بناء أو صنم، غلب في الأصنام حتى قيل : الأنصاب ﴿يوفضون *﴾ أي يعجلون عجلة من هو ذاهب إلى ما يسره حتى كأنه يطرد إليه كما كانوا يسرعون إلى أنصابهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٧
ولما كان إيفاضهم إلى الأنصاب على حال السرور، أخبر أن هذا على خلاف ذلك، وأن ذكر النصب وتصير حالة الإتيان إليه ما كان إلا تهكماً بهم فقال :﴿خاشعة﴾ أي منكسرة متواضعة لما حل بها من الذل والصغار، وأحلقها علامة التأنيث زيادة في هذا المعنى ومبالغة فيه بقوله :﴿أبصارهم﴾.
ولما كان خشوعها دائماً فعبر بالاسم، وكان ذلهم يتزايد في كل لحظة عبر بالفعل المضارع المفيد للتجدد والاستمرار فقال :﴿ترهقهم﴾ أي تغشاهم فتعمهم، وتحمل عليم فتكلفهم كل عسر وضيق على وجه الإسراع إليهم ﴿ذلة﴾ ضد ما كانوا عليه في الدنيا لأن من تعزز في الدنيا على الحق ذل في الآخرة، ومن ذل للحق في الدنيا عز في الآخرة.