ولما كان هذا إشارة إلى الاستدلال على البعث بما يعلمونه من أنفسهم صرح بعد ما لوح، فقال آتياً بحرف التوقع لأنه مقامه :﴿وقد﴾ أي والحال أنه قد أحسن إليكم مرة بعد مرة بما لا يقدر عليه غيره، فدل ذلك على تمام قدرته، ثم لم يقطع إحسانه عنكم فاستحق ان تؤمنوا به لأنه ﴿خلقكم﴾ أي أوجدكم من العدم مقدرين ﴿أطواراً *﴾ أي تارات عناصر أولاً ثم مركبات تغذي الحيوان ثم أخلاطاً ثم نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً ثم عظاماً ولحوماً وأعصاباً ودماء، ثم خلقاً آخر تاماً ناطقاً ذكراناً وإناثا
١٧٠
طوالاً وقصاراً بيضاً وسوداً وبين ذلك - إلى غير ذلك من الأمور الدالة على قدرته على كل مقدور، ومن قدر على هذا الابتداء كان على الإعادة أعظم قدرة، وقد ثبتت حكمته وأنه لم يخلق الخلق الخلق سدى بما بان من هذا التطوير على هذه الهيئات العجيبة التي لا قدرة لغيره عليها بوجه، وهم يتهارجون في هذه الدار تهارج الحمر، ويموت المظلوم على حاله، والظالم يبلغ آماله، فلا بد أن يعيدهم ليفصل بينهم فيظهر حكمته وعدله وإكرامه وفضله، ولو ترك ذلك لكان نقصاً في ملكه، ومن قدر على ذلك كان قادراً على الجزاء بالثواب والعقاب، فهو أهل لأن يخشى ويرجى.
ولما كان هذا واضحاً ولكنهم قوم لد، لا يردهم إلا الشمس المنيرة في وقت الظهيرة، ذكرهم - بعد التذكير بما في أنفسهم - بما هو أكقر من ذلك من آيات الآفاق وقسمها إلى علوي وسفلي، وبدأ بالأنفس لأنها مع شرفها أقرب منظور إليه لهم، وثنى بالعلوي لأنه يليها في الشرف ووضوح الآيات، فقال : دالاًّ على القدرة على البعث والجزاء بالثواب والعقاب :﴿ألم تروا﴾ أي أيها القوم.