ولما كان في الموت دليل على تمام العلم والقدرة غير أنه ليس كدلالة الابتداء بالابتداع، وكان مسلماً ليس فيه نزاع، ذكره من غير تأكيد بالمصدر فقال دالاًّ على البعث والنشور :﴿ثم يعيدكم﴾ على التدريج ﴿فيها﴾ أي الأرض بالموت والإقبار وإن طالت الآجال ﴿ويخرجكم﴾ أي فيها بالإعادة، وأكد بالمصدر الجاري على الفعل إشارة إلى شدة العناية به وتحتيم وقوعه لإنكارهم له فقل :﴿إخراجاً *﴾ أي غريباً ليس هو كما تعلمون بل تكونون به في غاية ما يكون من الحياة الباقية، تلابس أرواحكم بها أجسامكم ملابسة لا انفكاك بعدها لأحدهما عن الآخر.
ولما كان النابت من الشيء لا يتصرف في ذلك الشيء، دل على كمال قدرته بخرق تلك العادة لهم على وجه الإنعام عليهم، فقال مظهراً للاسم الشريف مرة بعد أخرى تعظيماً للأدلة لئلا تقيد القدرة بما يقترن به الاسم دالاًّ بالعالم السفلي بعد الإرشاد بالعلوي وآخر السفلي لأن آياته على ظهورها خفيت بكثرة الإلف لها :﴿والله﴾ أي المستجمع لجميع الجلال والإكرام ﴿جعل لكم﴾ أي نعمة عليكم اهتماماً بأمركم ﴿الأرض بساطاً *﴾ أي سهل عليكم الصترف فيها والتقلب عليها سهولة التصرف في
١٧٢
البساط، ثم علل فقال :﴿لتسلكوا﴾ أي منجدين ﴿منها﴾ أي الأرض مجددين لذلك ﴿سبلاً﴾ أي طرقاً واضحة مسلوكة بكثرة ﴿فجاجاً *﴾ أي ذوات اتساع لتتوصلوا إلى البلاد الشاسعة براً وبحراً، فيعم الانتفاع بجميع البقاع، فالذي قدر على إحداثكم وأقدركم على التصرف في أصلكم مع ضعفكم قادر على إخراجكم من أجداثكم التي لم تزل طوع أمره ومحل عظمته وقهره.


الصفحة التالية
Icon