ولما أتم الخبر عن إغراقهم، وقدمه للاهتمام بتعظيم الرسول ﷺ في إجابة دعوته تحذيراً للعرب أن يخرجوا رسولهم ﷺ فيخرجوه إلى مثل ذلك، عطف على قول نوح عليه السلام من أوله قوله عندما أخبره تعالى انهم مغرقون وأنه لا يؤمن منهم إلا من قد آمن بعدما طال بلاؤه بهم حتى أن كان الرجل ليأتي بابنه إليه فيقول له : احذر هذا أن يضلك، وإن أبي حذر به، وكانت صيغة العموم ليست بنص في أفرادها أبداً، استنجازاً لوعده وتصريحاً بمراده :﴿وقال نوح﴾ وأسقط الأداة كما هي عادة أهل الحضرة فقال :﴿رب لا تذر﴾ أي تترك بوجه من الوجوه أصلاً ولو على أدنى الوجوه ﴿على الأرض﴾ أي كلها من مشرقها إلى مغربها وسهلها وجبلها ووهدها ﴿من الكافرين﴾ أي الراسخين العموم التي تستعمل في النفي العام فيقال من الدور أو الدار فعّال، وإلا لكان دواراً،
١٧٧
ويجوز - وهو أقرب - أن يكون هذا الدعاء عند ركوبه السفينة وابتداء الإغراق فيهم، يريد به العموم كراهية أن يبقى أحد منهم على ذروة جبل أو نحوه، لا أصل الإغراق، وأن يكون معنى ما قبله الحكم بإغراقهم وتحتم القضاء به أو الشروع فيه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٧٦
ولما كان الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يقولون ولا يفعلون إلا ما فيه مصلحة الدين، علل دعاءه بقوله وأكده إظهاراً لجزمه باعتقاد ما أنزل عليه من مضمون قوله تعالى :﴿إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن﴾ [هود : ٣٦] وإن كان ذلك خارجاً عن العادة :﴿إنك﴾ أي يا رب ﴿إن تذرهم﴾ أي تتركهم على أي حالة كانت في إبقائهم سالمين على وجه الأرض على ما هم عليه من الكفر والضلال والإضلال ولو كانت حالة دنية ﴿يضلوا عبادك﴾ أي الذين آمنوا بي والذين يولدون على الفطرة السليمة.


الصفحة التالية
Icon