معارضته إلى ما شاهدوه من عظيم البراهين، ومع ذلك عموا وصموا - غذب الله عليهم ولعنهم - وسبق إلى الإيمان من ليس من جنسهم ولا سبقت له مزية تكريمهم، وهم الجن ممن سبقت لهم من الله الحسنى فآمنوا وصدقوا، وامراً ﷺ بالإخبار بذلك، فأنزل الله تعالى عليه ﴿قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن﴾ [الجن : ١] الآيات إلى قوله إخباراً عن تعريف الجن سائر أخوانهم بما شاهدوه من عنااد كفار العرب " وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً " ثم استمرت الآي ملتحمة المعاني معتضدة المباني إلى آخر السورة - انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٠
ولما بينوا فضله من جهة الإعجاز وغيره، بينوا المقصود بالذات الدال على غوصهم على المعاني بعد علمهم بحسن المباني فقالوا :﴿يهدي﴾ أي يبين غاية البيان مع الدعاء في لطف وهدى ﴿إلى الرشد﴾ أي الحق والصواب الذي يكاد يشرد لثقله على النفوس الداعية إلى الهوى وخفة ضده الغي والسفه الملائم لنقص النفوس.
ولما وصفوه بهذه الكمالات سببوا عن ذلك قولهم إعمالاً للقوة العملية في المبادرة إلى الصواب من غير تخلف أصلاً :﴿فآمنا﴾ أي كل من استمع منا لم يتخلف منا أحد ولا توقف بعد الاستماع ﴿به﴾ أي أوقعنا الأمان لمبلغ القرآن أن نكذبه أو نخالفه أدنى مخالفة بسبب هذا القرآن.
ولما أخبروا عن الماضي، وكان الإيمان لا يفيد إلا مع الاستمرار، قالوا عاطفين على ما تقديره : فوجدنا الله في الحال لأن ذلك نتيجة الإيمان بالقرآن وخلعنا الأنداد :﴿ولن﴾ أي والحال أنا مع إيقاع الإيمان في الحال لن ﴿نشرك﴾ بعد ذلك أصلاً، أكدوا أنه أمر لا يكاد يصدق ﴿بربنا﴾ أي الذي لا إحسان قائم بنا من الإيجاد ومابعده إلا منه ﴿أحداً *﴾ أي من الخلق لأنه لم يشركه في شيء من مرنا أحد، وقد وضحت الدلائل على التوحيد فيما سمعنا من هذا القرآن.


الصفحة التالية
Icon