ولما أظهروا القوتين العلمية بفهمهم القرآن، والعملية بما حصل لهم من الإذعان، أعملوا ما لهم في الدعاء إلى الله تعالى من قوة البيان، فبعد أن نزهوه سبحانه عن الشرك عموماً خصوا مؤكدين في قراءة ابن كثير والبصريين وأبي جعفر بالكسر لما تقدم من أن مثل هذه السهولة لا تكاد تصدق، فقالوا عطفاً على ﴿إنا سمعنا﴾ [الجن : ١] :﴿وأنه﴾ أي الشأن العظيم قال الجن :﴿تعالى﴾ أي انتهى في العلو والارتفاع إلى حد لا يستطاع ﴿جد﴾ أي عظمة وسلطان وكمال غنى ﴿ربنا﴾ أي الموجد لنا والمحسن إلينا، وإذا كان هذا التعالي لجده فما بالك به، وكذا حكت هذه القراءة بقوله الجن ما بعد هذا إلا ﴿وأن لو استقاموا﴾ [الجن : ١٦] و﴿أن المساجد لله﴾ [الجن : ١٨] و﴿أنه لما قام﴾
١٨٣
[الجن : ١٩] فإنه مفتوح فيها عطفاً على الموحى به فهو في محل رفع إلا عند أبي جعفر فإنه فتح ﴿وأنه تعالى﴾ [الجن : ٣] و﴿أنه كان يقول﴾ [الجن : ٤] ﴿وأنه كان رجال﴾ [الجن : ٦] ووافقهم نافع وأبو بكر عن عاصم في غير ﴿وأنه لما قام﴾ [الجن : ١٩] فإنهما كسراها وفتح الباقون وهم ابن عامر وحمزة والكسائر وحفص عن عاصم الكل إلا ما صدر بالفاء على أنه معطوف على محل الجار في " به " أي صدقناه وصدقنا أنه - لا على لفظه وإلا لزم إعادة الجارّ عند نحاة البصرة، وقيل : عطف على لفظ الضمير في " به " على المذهب الكوفي الذي نصره أبو حيان وغير واحد من أهل اللسان.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٠


الصفحة التالية
Icon