مستقيمون، فلا يفارقون الدليل فهم على الصراط السوي العدل الرضي، ومنا الجافون الكافرون ﴿ومنا القاسطون﴾ وهم الجائرون عن المنهج الأقوم الساقطون في المهامه المجاهل التي ليس بها معلم، فهم بربهم كافرون، ومنا المقسطون، يقال : قسط - إذا جار جوراً، أسقطه عن رتبة الإنسان إلى رتبة أدنى الحيوان، وأقسط - إذا أزال الجور فعدل، فالآية من الاحتباك :" المسلمون " يدل على الكافرين، و" القاسطون " يدل على المقسطين.
ولما كانوا قد علموا مما سمعوا من القرآن أنه لا بد من البعث للجزاء، سببوا عن هذه القسمة قولهم :﴿فمن أسلم﴾ أي أوقع الإسلام كله بأن أسلم ظاهره وباطنه للدليل من الجن ومن غيرهم.
ولما كان في مقام الترغيب في الحق، ربط بفعلهم ذلك تسبيباً عنه قوله مدحاً لهم :﴿فأولئك﴾ أي العالو الرتبة ﴿تحروا﴾ أي توخوا وقصدوا مجتهدين ﴿رشداً *﴾ أي صواباً عظيماً وسداداً، كان - لما عندهم من النقائص - شارداً عنهم فعالجوا أنفسهم حتى ملكوه فجعلوه لهم منزلاً، من قوله : الحرا - بالقصر : أفحوص القطاة يأوي إليه الظبي، والناحية والموضع، ومان أحراه بكذا : ما أوجبه له، وبالحرا أن يكون كذا أي خليق كونه، وفلان حري بكذا أي خليق، وقد يجيء بالحر - من غير ياء، يراد به بالجهد، وتحريت الشيء : قصدت ناحية، فكان لهم ذلك إلى الجنة سبباً، ومن قسط فأولئك ضنوا فنالوا غياً وشططاً.