ولما دل هذا السياق على عزة علم الغيب واكنت عزته سبباً لحراسة من يطلع عليه ليؤديه إلى من أمر به كما أمر به، أعلم سبحانه وتعالى بذلك بقوله مؤكداً تمييزاً له من علم الكهان الذي أصله من الجان دالاًّ على إجلال الرسل وإعظامهم وتبجيلهم وإكرامهم :﴿فإنه﴾ أي الله سبحانه وتعالى يظهر ذلك الرسول على ما يريد من الغيب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٩٩
وذلك أنه إذا أراد إظهاره عليه ﴿يسلك﴾ أي يدخل إدخال السلك في الجوهرة في تقومه ونفوذه من غير أدنى تعريج إلى غير المراد.
ولما كان الغرض يحصل بمن يقيمه سبحانه من جنوده للحراسة ولو أنه واحد من كل جهة بل وبغير ذلك، وإنما جعل هذا الإخراج للأمر على ما يتعارفه العباد، عبر بالجارّ دليلاً على عدم استغراق الرصد للجهات إلى منقطع الأرض مثلاً فقال :﴿من بين يديه﴾ إلى الجهة التي يعلمها ذلك الرسول ﴿ومن خلفه﴾ أي الجهة التي تغيب عن علمه، فصار ذلك كفاية عن كل جهة، ويمكن أن يكون ذكر الجهتين دلالة على الكل وخصهما لأن العدو متى أعريت واحدة منهما أتى منها، ومتى حفظت لم يأت من غيرها، لأنه يصير بين الأولين والآخرين ﴿رصداً *﴾ أي حرساً من جنوده يحرسونه ويحفظونه بحفظ ما معه من الغيب من اختطاف الشياطين أو غيرهم لئلا يسترقوا شيئاً من خبره - قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وقال مقاتل وغيره رضي الله عنهما : يخبرونه بمن أنكره بأن يحذروه منه إن كان شيطاناً أو بأمره بالسماع منه إن كان ملكاً، وذلك أن إبليس كان يأتي الأنبياء في صورة جبريل عليه السلام ولكن الله عصمهم منه.


الصفحة التالية
Icon