وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما كان ذكر إسلام الجن قد أحرز غاية انتهى إلى مرماها وتم مقصدها ومبناها، وهي الإعلام باستجابة هؤلاء وحرمان من كان أولى بالاستجابة، وأقرب في ظاهر الأمر إلى الإنابة، بعد تقدم وعيدهم وشديد تهديدهم، صرف الكلام إلى أمره ﷺ بما يلزمه من وظائف عبادته وما يلزمه في أذكاره من ليله ونهاره، مفتتحاً ذلك بأجمل مكالمة وألطف مخاطبة ﴿يا أيها المزمل﴾ [المزمل : ١] وكان ذلك تسلية له صل الله عليه وسلم وكان تسلية ﷺ كما ورد ﴿فلا تذهب نفسك عليهم حسرات﴾ [فاطر : ٨] إلى آخره، وليحصل منه الاكتراث بعناد من قدم عناده وكثرة لججه، وأتبع ذلك بما يشهد لهذا الغرض ويعضده وهو قوله تعالى ﴿فاصبر صبراً جميلاً﴾ [المعارج : ٥] ﴿واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً﴾ [المزمل : ١٠ - ١١] وهذا عين الوارد في قوله تعالى :﴿فلا تذهب نفسك عليهم حسرات﴾ [فاطر : ٨] وفي قوله ﴿نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار﴾ [ق : ٤٥] ثم قال :﴿إن لدينا أنكالاً﴾ [المزمل : ١٢] فذكر ما أعد لهم، وإذا تأملت هذه الآي وجدتها قاطعة بما قدمناه، وبان لك التحام ما ذكره، ثم رجع الكلام إلى التلطف به عليه الصلاة والسلام وبأصحابه - رضي الله عنه أجمعين - وأجزل جزاءهم مع قووع التقصر ممن يصح منه تعظيم المعبود الحق جل جلاله ﴿علم ان لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن﴾ [المزمل : ٢٠] ثم ختم السورة بالاستغفار من كل ما تقدم من عناد الجاحدين المقدم ذكرهم فيما قبل من السور إلى ما لا يفي العباد المستجيبون به مما أشار إليه قوله تعالى :﴿علم أن لن تحصوه﴾ [المزمل : ٢٠] انتهى.
ولما كان الليل اسماً لما بين غروب الشمس وطلوع الفجر، وكان قيامه في غاية المشقة، حمل سبحانه من ثقل ذلك، فقال مبيناً لمراده بما حاط عليه الكلام بعد
٢٠٤


الصفحة التالية
Icon