الاستثناء، ومبدلاً من جملة المستثنى والمستثنى منه :﴿نصفه﴾ أي الليل، فعلم أن المراد بالقليل المستثنى النصف، وسماه قليلاً بالنسبة إلى جميع الليل، وبالنسبة إلى النصف الذي وقع إحياؤه، لأن ما يلي بالعمل أكثر مما عمل فيه، ويجوز أن يكون " نصفه " بدلاً من الليل، فيكون كأنه قيل : قم نصف الليل إلا قليلاً وهو السدس أو انقص منه إلى الربع، وجاءت العبارة هكذا لتفيد أن من قام ثلث الليل بل ربعه فما فوقه كان محيياً لليل كله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٢
ولما كانت الهمم مختلفة بالنسبة إلى الأشخاص وبالنسبة إلى الأوقات قال :﴿أو انقص منه﴾ أي هذا النصف الذي أمرت بقيامه، أو من الصنف المستثنى منه القليل على الوجه الثاني وهو الثلث ﴿قليلاً *﴾ فلا تقمه حتى لو أحييت ثلث الليل على الوجه الأول أو ربعه على الوجه الثاني كنت محيياً قليلاص كالسدس مثلاً، فيكون الذي تقومه الثلثين مثلاً، وعلى كل تقدير من هذه التقادير يصادف القيام - وهو لا يكون إلا بعد النوم : الوقت الذي يباركه الله بالتجلي فيه فإنه صح أنه ينزي سبحانه عن أن يشبه ذاته شيئاً أو نزوله نزول غيره بل هو كناية عن فتح باب السماء الذي هو كناية عن وقت استجابة الدعاء - حين يبقى ثلث الليل - وفي رواية : حين يبقى شطر الليل الآخر - إلى سماء الدنيا فيقول : هل من سائر فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من كذا هل من كذا حتى يطلع الفجر.
وكان هذا القيام في أول الإسلام فرضاً عليهم على التخيير بين هذه المقادير الثلاثة فكانوا يشقون على أنفسهم، فكان النبي ﷺ يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب، وكذا بعض أصحابه رضي الله تعالى عنهم واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم، وكان هذا قبل فريضة الخمس، فنزل آخرها بالتخفيف بعد سنة ﴿علم أن لن تحصوه﴾ [المزمل : ٢٠] الآيات، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة.