ولما أمر بالقيام وقدر وقته وعينه، أمر بهيئة التلاوة على وجه عام للنهار معلم بأن القيام بالصلاة التي روحها القرآن فقال :﴿ورتل القرآن﴾ أي اقرأه على تؤدة وبين حروفه بحيث يتمكن السامع من عدها وحتى يكون المتلو شبيهاً بالثغر المرتل وهو المفلج المشبه بنور الأقحوان، فإن ذلك موجب لتدبره فتكشف له مهماته وينجلي عليه أسراره وخفياته، قال ابن مسعود رضي الله عنه : ولا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذ الشهر، ولكن قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
روى الترميذي عن عائشة رضي الله عنها :" أن النبي ﷺ قام حتى أصبح بآية،
٢٠٥
والآية ﴿إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم﴾ [المائدة : ١١٨] ولما أعلم سحبانه بالترتيل أعلم بشرفه بالتأكيد بالمصدر فقال :﴿ترتيلاً *﴾.
ولما كان المراد منه ﷺ الثبات للنبوة ومن أمته الثبات في الاقتداء به في العمل والأمر والنهي، وكان ذلك ي غاية الصعوبة، وكان الإنسان عاجزاً إلا بإعانة مولاه، وكان العون النافع غنما يكون لمن صفت نفسه عن الأكدار وأشرقت بالأنوار، وكان ذلك إنما يكون بالاجتهاد في خدمته سبحانه، علل هذا الأمر بقوله مبيناً للقرآن الذي أمر بقراءته ما هو وما وصفه، معلماً أن التهدد يعد للنفس من القوى ما به يعالج المشقات، مؤكداً لأن الإتيان بما هو خارج عن جميع أشكال الكلام لا يكاد يصدق :﴿إنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿سنلقي﴾ أي قريباً بوعد لا خلف فيه فتهيأ لذلك بما يحق له.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٢