ولما كان المقام لبيان الصعوبة، عبر بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليك﴾ وأشار إلى اليسر مع ذلك إشارة إلى ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ [القمر : ١٧] بالتعبير بما تدور مادته على اليسر والخفة فقال :﴿قولا﴾ يعني القرآن ﴿ثقيلاً *﴾ أي لما فيه من التكاليف الشاقة من جهة حملها وتحميلها للمدعوين لأنها تضاد الطبع وتخالف النفس، ومن جهة رزانة لفظه لامتلائه بالمعاني مع جلالة معناه وتصاعده في خفاء فلا يفهمه المتأمل ويستخرج ما فيه من الجواهر إلا بمزيد فكر وتصفية سر وتجريد نظر، فهو ثقيل على الموافق من جميع هذه الوجوه وغيرها، وعلى المخالف من جهة أنه لا يقدر على رده ولا يتمكن من طعن فيه بوجه مع أنه ثقيل في الميزان وعند تلقيه وله وزن وخطر وقدر عظيم، روي في الصحيح :"إن النبي ﷺ كان إذا أتاه الوحي يفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً في اليوم الشاتي الشديد البرد " وكان - إذا أنزل عليه الوحي وهو راكب على ناقته وضعت جرانها فلا تكاد تتحرك حتى يسري عنه" قال القشيري : وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سورة الأنعام نزلت عليه جملة واحدة وهو راكب فبركت ناقته من ثقل القرآن وهيبته، وهو مع ثقله على الأركان خفيف على اللسان سهل التلاوة والحفظ على الإنسان.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٢
٢٠٦


الصفحة التالية
Icon