ولما أفهم هذا أن التهجد في غاية العظمة، أكد ذلك حاثاً على عدم الرضى بدون الأفضل الأجمل الأكمل بقوله : مؤكداً ليخف أمر القيام على النفس :﴿إن ناشئة الّيل﴾ أي ساعاته التي كل واحدة منها ناشئة والعبادة تنشأ فيه بغاية الخفة، من نشأ أي نهض من مضجعه بغاية النشاط لقوة الهمة ومضاء العزيمة التي جعلتها كأنها نشأت بنفسها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة، وما كان قبله فليس بناشئة، وقالت عائشة رضي الله عنها : الناشئة القيام بعد النوم، وقال الأزهري : الناشئة القيام، مصدر جاء على فاعلة كالعافية بمعنى العفو.
ولما كان ذلك في غاية الصعوبة لشدة منافرته للطبع، زاد في التأكيد ترغيباً فيه فقال :﴿هي﴾ أي خاصة لما لها من المزايا ﴿أشد﴾ أي أثقل وأقوى وأمتن وأرصن ﴿وطأً﴾ أي كلفة ومشقة لما فيها نم ترك الراحة وفراق الألف والمحبوب، وأشد ثبات قدم - على أنه مصرد وطئ في قراءة الجماعة - بفتح ثم سكون، ومواطأة بين القلب واللسان في الحضور وفي التزام الدين بالإذعان والخصوع على أنه مصدر واطأ مثل قاتل على قراءة أبي عمرو وابن عامر بالكسر والمد وهي أبلغ لأن صيغة المفاعلة تكون بين انثين يغالبان فيكون الفعل أقوى.
ولما كان التهجد يجمع القول والفعل، وبين ما في الفعل لأنه أشق، فكان بتقديم الترغيب بالمدحة أحق، أتبعه القول فقال :﴿وأقوم قيلاً *﴾ أي وأعظم سداداً من جهة القيل في فهمه ووقعه في القلوب بحضور القلب ورياقة الليل بهدوء الأصواء وتجلي الرب سبحانه وتعالى بحصول البركات، وأخلص من الرياء والقصود الدنيات.