ولما كان المقام للإنذار، وكان من رد الأوامر تكذيباً كفر، ومن تهاون بها من أطاع ولا شكر، حذر من الفتور عنها بذكر ما للمكذب بها، فقال مسبباً عن ذلك باعثاً على اكتساب الخيرات من غير كسل ولا توقف، مذكراً بن الملك التقم القرن وأصغى بجبهته انتظاراً للأمر بالنفخ، مشيراً بالبناء للمفعول إلى هوانه لديه وخفته عليه مؤذناً بأداة التحقق أنه لا بد من وقوعه :﴿فإذا نقر﴾ أي نفخ وصوّت بشدة وصلاة ونفوذ وإنكاء ﴿في الناقور *﴾ أي الصور وهو القرن الذي إسرافيل عليه السلام ملتقمه الآن وهو مصغ لانتظار الأمر بالنفخ فيه للقيامة، ويجوز أن يراد الأيام التي يقضي فيها بالذل على الكافرين كيوم بدر والفتح وغيرهما كما جعلت الساعة والقيامة كناية عن الموت، فقال ﷺ :"من مات فقد قامت قيامته" عبر عنه بالنقر إشارة إلى أنه في شدته كالنقر في الصلب فيكون عنه صوت هائل، وأصل النقر القرع الذي هو سبب الصوت فهو أشد من صدعك لهم بالإنذار للحذار من دار البوار، فهنالك ترد الأرواح إلى أجسادها، فيبعث الناس فيقومون من قبورهم كنفس واحدة، وترى عاقبة الصبر، ويرى أعداؤك عاقبة الكبر، والتعبير فيه بصيغة المبالغة وجعله فاعلاً كالجاسوس إشارة إلى زيادة العظمة حتى كأنه هو الفاعل على هيئة هي في غاية الشدة والقوة، وحذر النبي ﷺ أصحابه رضي الله عنهم من النفخ في الصور وقربه فقالوا :" كيف نقول يا رسول الله ؟ قال : قولوا حسبنا
٢٢٣
الله ونعم الوكيل " ويجوز أن يكون التسبب عن الأمر بالصبر، أي اصبر فلنأخذن بثأرك في ذلك اليوم بما يقر عينك، فيكون تسلية له ﷺ وتهديداً لهم.