ولما كان قد فعل به ذلك سبحانه، فأورثته هذه النعمة من البطر والاستكبار على من خلوه فيها ضد ما كان ينبغي فيها ضد ما كان ينبغي له من الشكر والازدجار، قال محققاً أنه سبحانه هو الذي وهبها له وهو الواحد القهار، مشيراً بأداة التراخي إلى استبعاد الزيادة له على حالته هذه من عدم الشكر :﴿ثم﴾ أي بعد الأمر العظيم الذي ارتكبه من تكذيب رسولنا ﷺ ﴿يطمع﴾ أي بغير سبب يدلي به إلينا مما جعلنا سبب المزيد من الشكر :﴿أن أزيد *﴾ أي فيما آتيته من دنياه أو آخرته وهو يكذب رسولي صلى الله عليه وسلم.
ولما كان التقدير : إنه ليطمع في ذلك لأن المال والجاه يجران الشرف والعظمة بأيسر سعي، هذا هو المعروف المتداول المألوف، استأنف زجره عن ذلك بمجامع الزجر : علماً من أعلام النبوة، وبرهاناً قاطعاً على صحة الرسالة، فقال ما لا يصح أن يقوله غيره سبحانه لأنه مع أنه لا تردد فيه ولا افتراء طابع الواقع، فلم يزد بعد ذلك
٢٢٥
شيئاً، بل لم يزل في نقصان حتى هلك وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً، لا مبدل لكلماته ﴿كلا﴾ أي وعزتنا وجلالنا لا تكون له زيادة على ذلك أصلاً، وأما النقصان فسيرى إن استمر على تكذيبه فليرتدع عن هذا الطمع، وليزدجر وليرتجع، فإنه حمق محض وزخرف بحت، وغرور صرف، ولما ردعه هذا الردع المقتضي ولا بد للإذعان وصادق الإيمان ممن لم يستول عليه الحرمان، علله بقوله مؤكداً لإنكارهم العناد والمعاد :﴿إنه﴾ أي هذا الموصوف ﴿كان﴾ بخلق كأنه جبلة له وطبع لا يقدر على الانفكاك عنه ﴿لآياتنا﴾ على مالها من العظمة خاصة لكونها هادية إلى الوحدانية، لا لغيرها من الشبه القائدة إلى الشرك ﴿عنيداً *﴾ أي بالغ العناد على وجه لا يعد عناده لغيرها وبسبب مزيد قبحه عناداً، والعناد - كما قال الملوي : من كبر في النفس أو يبس في الطبع أو شرائة في الأخلاق أو خبل في العقل، وقد جمع ذلك كله إبليس، لأنه خلق من نار.


الصفحة التالية
Icon