وهي من طبعها اليبوسة وعدم الطواعية، وحقيقته ميل عن الجادة، ومجاوزة للحد مع الإصرار واللزوم، ومنه مخالفة الحق مع المعرفة بأنه الحق.
ولما كان هذا محراً للتشوف إلى بيان هذا الردع، وكان العناد غلظة في الطبع وشكاسة في الخلق يوجب النكد والمشقة جعل جزاءه من جنسه فقال :﴿سأرهقه﴾ أي ألحقه بعنف وغلظة وقهر إلحاقاً يغشاه ويحيط به بوعيد لا خلف فيه ﴿صعوداً *﴾ أي شيئاً من الدواهي والأنكاد كأنه عقبة، فإن الصعود لغة العقبة شاق المصعد جداً، وروي الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي، وفي رواية : أنه كلما وضع يده في معالجة الصعود ذابت، فإذا رفها عادت وكذا رجله، وقال الكلبي : إنه صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها بجذب من أمامه بسلاسل الحديد، ويضرب من خلفه بمقامع الحديد فيصعدها في أربعين عاماً، فإذا بلغ ذروتها أسقط إلى أسفلها ثم يكلف أن يصعدها، فذلك دأبه أبداً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٤
ولما حصل التشوف إلى بعض ما عاند به الآيات، قال مبيناً لذلك مؤكداً لاستبعاد العقلاء لما صنع لبعده عن الصواب ومعرفة كل ذي لب أنه كذب :﴿إنه﴾ أي هذا العنيد ﴿فكر﴾ أي ردد فكره وأداره تابعاً لهواه لأجل الوقوع على شيء يطعن به في القرآن ﴿وقدر*﴾ أي أوقع تقديراً للأمور التي يطعن بها فيه وقاتيها في نفسه ليعلم أيها أقرب إلى القولز ولما كان تفكيره وتقديره قد أوقع غيره في الهلاك بمنعه من حياة الإيمان أصيب هو بما منعه من حياة نافعة في الدارين، وذلك هو الهلاك الدائم.
٢٢٦
ولما كان الضار إنما هو الهلاك لا كونه من معين، سبب عن ذلك بانياً للمفعول قوله مخبراً وداعياً دعاءً مجاباً لا يمكن تخلفه :﴿فقتل﴾ أي هلك ولعن وطرد في دنياه هذه.


الصفحة التالية
Icon