ولما كان من فعل كذلك فظهر له فساد رأيه ووقف مع حظ نفسه يصير يعبس ويفعل أشياء تتغير لها خلقته من غير اختياره قال :﴿ثم عبس﴾ أي قطب وجهه وكلح فتربد وجهه مع تقبض جلده ما بين العينين بكراهة شديدة كالمتهم المتفكر في شيء وهو لا يجد في فرجاً لأنه ضاقت عليه الحيل لكونه لم يجد فيما جاء به النبي ﷺ مطعناً ﴿وبسر *﴾ اتباع لعبس تأكيداً لها، وربما أفهمت أنه سبر ما قاله ووزنه بميزان الفكر وتتبعه تتبعاً مفرطاً حتى رسخت فيه قدمه، كذا قالوا إنها اتباع إن أريد به التأكيد وإلا فقد وردت مفردة، قال في القاموس : بسر - إذا عبس، وبسر الحاجة : طلبها في غير أوانها، وبسر الدين : تقاضاه قبل محله، فكأنه لما طال عليه التفكير صار يستعجل حصوله إلى مراده، ويقال : بسر - إذا ابتدأ الشيء، فكأنه لما عبس خطر له السحر فابتدأ في إبداء ما سنح له من أمره، قال ابن برجان : البسور هيئة في الوجه تدل على تحزن في القلب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٦
ولما كان هذا النظر على هذا الوجه أمدح شيء للمنظور فيه إذا لم يوصل منه إلى طعن، وكان ظاهره إنه لتطلب الحق، فكان الإصرار معه على الباطل في غاية البعد، قال دالاً على ذلك من المدح وعدم وجدان الطعن معبراً بأداة البعد :﴿ثم﴾ أي بعد هذا التروي العظيم ﴿أدبر﴾ أي عما أداه إليه فكره من الإيمان بسلامة المنظور فيه وعلوه عن
٢٢٧