ولما أمر بالتقوى وناط بعضها بصفة الإحسان فسره بقوله :﴿لا تخرجوهن﴾ أي أيها الرجال في حال العدة ﴿من بيوتهن﴾ أي المساكن التي وقع وهي سكنهن، وكأنه عبر بذلك إشارة إلى أن استحقاقها لإيقاء العدة به في العظمة كاستحقاق المالك، ولأنها كانت في حال العصمة كأنها مالكة له، فليس من المروءة إظهار الجفاء بمعنها منه، ولأنها إن روجعت كانت حاصلة في الحوزة ولم يفحش الزوج في المقاطعة، وإن لم يحصل ذلك فظهر أنها حامل لم تحصل شبهة في الحمل.
ولما كان ذلك ربما أفهم أنه لحقهن فقط نفاه بقوله :﴿ولا يخرجن﴾ أي بأنفسهن إن أردن ذلك من غير مخرج من جهة الزوج أو غيره، فعلم من ذلك تحتم ا ستكمال العدة في موضع السكنى وأن الإسكان على الزوج، وتخرج لضرورة بيع الغزل وجذاذ
٢٥
النخل ونحوه.
ولما كان منطوق ذلك أنه لا يجوز له إخراجها كارهة، ولا يجوز لها أن تخرج بنفسها فقط وهو كاره فأفهم ذلك أنهما لو اتفقا جاز لأن ذلك خارج عن المنهي، استثنى من كلا شقي المنهي عنه بقوله.
﴿إلآ أن يأتين﴾ أي جنس المطلقات الصادق بواحدة وأكثر ﴿بفاحشة﴾ أي خصلة محرمة شديدة القباحة ﴿مبينة﴾ أي ظاهرة في نفسها ظهوراً بيناً عند كل من أريد بيانها له، وذلك كالبذاءة منها على الزوج أو أقاربه فإنه كالنشوز يسقط حقها من السكنى، فيجوز له إخراجها لقطع الشر، وهو معنى قراءة أبي رضي الله عنه : إلا أن يفحشن عليكم، وكالزنا فتخرج بنفسها ويخرجها غيرها من الزوج وغيره لإقامة الحد عليها وغير ذلك من الفواحش كما أنه يطلقها للنشوز فإنه لا سكنى لها حينئذ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣
ولما كان التقدير : هذه أحكام هذا الفرع، عطف عليه تعظيماً لها قوله تعالى :﴿وتلك﴾ أي الأحكام العالية جداً بما فيها من الجلالة وبانتسابها إلى الملك الأعلى من هذا الذي ذكر في هذه السورة وغيره ﴿حدود الله﴾ أي الملك الأعظم الذي هو نور السماوات والأرض.


الصفحة التالية
Icon