ولما أثبت لكل من الجاهل والعالم ما أثبت، أكده بنفي ضده مبيناً للفتنة فقال :﴿ولا يرتاب﴾ أي يشك شكاً يحصل بتعمد وتكسب ﴿الذين أوتوا الكتاب﴾ لما عندهم من العلم المطابق لذلك، قال ابن برجان : وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما " إن قوماً من أهل الكتاب جاؤوا إليه في قضية - فيها طول، وفيها أنهم سالوه عن خزنة جهنم، فقال رسول الله ﷺ "بيده هكذا وهكذا، في مرة عشرة وفي مرة تسعة"، فقالوا : بارك الله فيك يا أبا القاسم، ثم سألهم :"ما خزنة الجنة" ؟ فسكتوا هيبة ثم قالوا : خبزة يا أبا القاسم، فقال رسول الله ﷺ :"الخبزة من الدرمك" ﴿والمؤمنون﴾ أي لا يرتاب الذين رسخ الإيمان عندهم لما رأوا من الدلائل التي جعلتهم في مثل ضوء النهار ﴿وليقول الذين﴾ استقر ﴿في قلوبهم مرض﴾ أي شك أو نفاق وإن قل، ونزول هذه السورة قبل وجود المنافقين علم من أعلام النبوة، ولا ينكر جعل الله تعالى بعض الأمور مقصودة لشيء بالقصد الأول، ثم يرتب عليها شيء آخر يكون قصده بالقصد الثاني تقول : خرجت من البلد لمخالفة أكثر ومخافة الشر لا يتعلق بها الغرض ﴿والكافرون﴾ أي ويقول الراسخون في الكفر الجازمون بالتكذيب المجاهرون به الساترون لما دلت عليه الأدلة من الحق ﴿ماذا﴾ أي أي شيء ﴿أراد الله﴾ أي الملك الذي له جميع العظمة ﴿بهذا﴾ : أي العدد القليل في جنب عظمته ﴿مثلاً﴾ أي من جهة أنه صار بذلك مستغرباً استغراب المثل، أو أن ذلك إشارة إلى أنه ليس المراد به ظاهره بل مثل لشيء لم يفهموه وفهموا أن بين استجماعه للعظمة وهذا العدد عناداً، وما علموا أن القليل من حيث العدد قد يكون أعظم بقوته من الكثير العدد، ويكون أدل على استجماع العظمة.