ولما كان التقدير : أراد بهذا إضلال من ضل وهو لا يبالي، وهداية من اهتدى وهو لا يبالي، كان كأنه قيل : هل يفعل مثل هذا في غير هذا ؟ فقال جواباً :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا المذكور من الإضلال والهداية ﴿يضل الله﴾ أي الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز ﴿من يشاء﴾ بأي كلام شاء ﴿ويهدي﴾ بقدرته التامة ﴿من يشاء﴾ بنفس ذلك الكلام أو بغيره، وذلك من حكم جعل الخزنة تسعة عشر والإخبار عنهم بتلك العدة فإن إبراز الأحكام على وجه الغموض من أعظم المهلكات والمسعدات، لأن المنحرف الطباع يبحث عن عللها بحثاً متعنتاً، فإذا عميت عليه قطع ببطلان تلك الأحكام أو شك، وربما أبى الانقياد، وذلك هو سبب كفر غبليس والمستقيم المزاج يبحث مع التسليم فإن ظهر له الأمر ازداد
٢٣٢
تسليماً وإلا قال : آمنت بذلك كل من عند ربنا - فكان في غاية ما يكون من تمام الانقياد لما يعلم سره - رزقنا الله التسليم لأمره وأعاننا على ذكره وشكره.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣١
ولما كان هذا مما يوهم قلة جنوده تعالى، أتبعه ما يزيل ذلك فقال :﴿وما﴾ أي والحال أنه ما ﴿يعلم جنود ربك﴾ أي المحسن إليك بأنواع الإحسان المدبر لأمرك بغاية الإتقان منجعل النار وخزنتها وجعلهم على هذه العدة وغير ذلك، فلا تعلم عدتهم لأجل كثرتهم وخروجهم عن طوق المخلوق وماهم عليه من الأوصاف في الاجساد والمعاني ﴿إلا هو﴾ أي الملك الأعظم المحيط بصفات الكمال، فلو أراد لجعل الخزنة أكثر من ذلك، فقد روي أن البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة لا تعود إليهم نوبة أخرى، وقد ورد أن الأرض في السماء كحلقة ملقاة في فلاة وكل سماء في التي فوقها كذلك، وبد ورد في الخبر : أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك قائم يصلي.