وإنما خص هذا العدد لحكم لا يعلمها إلا هو، ومن أراد إطلاعه على ذلك من عباده مع أن الكفاية تقع بدون ذلك، فقد كان في الملائكة من اقتلع مدائن قوم لوط وهي سبع ورفعها إلى عنان السماء، وكل ما في الإنسان من الجواهر والإعراض من جنود الله لو سلط عيله شيء من نفسه لأهلكه : لو تحرك عرق ساكن أو سكن متحرك أو انسد مجوف أو تجوف منسد لهلك.
ولما ذكر شيئاً من أسرار سوق الأخبار عنها غامضاً، وكان ذلك من رحمة العباد ليفتح لهم باباً إلى التسليم لما يغمض من تذكيرهم بأمر مليكهم لأن العاجز لا يسعه في المشي على قانون الحكمة إلا التسليم للقادر وإلا أهلك نفسه وما ضر غيرها، خص أمرها في التذكير تأكيداً للإعلام تذكيراً بالنعمة لأجل ما لأغلب المخاطبين من اعوجاج الطباع المقتضي للرد والإنكار، المقتضي لسوق الكلام على وجه التأكيد فقال :﴿وما هي﴾ أي النار التي هي من أعظم جنوده سبحانه وتعالى :﴿إلا ذكرى للبشر﴾ أي تذكرة عظيمة لكل من هو ظاهر البشرة فبدنه أقبل شيء للتأثر بها لأجل ما يعرفون منها في دنياهم، وإلا فهو سبحانه وتعالى قادر على إيجاد ما هو أشد منها وأعظم وأكثر إيلاماً مما لا يعلمه الخلائق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣١
ولما كان حصرها في الذكرى ربما أوهم نقصاً في أمرها يوجب لبعض المعاندين
٢٣٣
ريبة في عظمه وأنه لا حقيقة لها ولا عذاب فيها، قال رادعاً من ذلك ومنبهاً على الاستعداد والحذر بكلمة لاردع والتنبيه :﴿كلا﴾ أي إياك أن ترتاب في أهوالها وعظيم أمرها وأحوالها وأوجالها لأن الأمر أطم وأعظم مما يخطر بالبال، فليرتدع السامع ولينزجر.