ولما حصر أمرها في الذكرى ونفى أن يظن بها نقص فيما جعلت له تأكيداً للكلام إشارة إلى ما لأغلب المخاطبين من الشكاسة والعوج إيقاظاً مام هم فيه من الغفلة وتلطيفاً لما لهم من اللوم والكثافة وتنبيهاً لهم على السعي في تقويم أنفسهم بما يستعملونه من الأدوية التي يرشدهم سبحانه إلى علاج أمراض القلوب بها، زاد الأمر تأكدياً فأقسم على ذلك بما هو ذكرى للناس ولا يظهر معه ظلام الليل كما أن ضياء القرآن لا يظهر معه ظلام الجهل من أعمل عين فكرته، وألقى حظوظ نفسه، فقال :﴿والقمر *﴾ أي الذي هو آية الليل الهادية لمن ضل بظلامه ﴿واليل إذا أدبر *﴾ أي مضى فانقلب راجعاً من حيث جاء فانكشف ظلامه فزال الجهل بانكشافه، وانصرفت الريب والشكوك بانصراف ﴿والصبح إذا إسفر *﴾ أقبل ضياؤه بجل العلم بحلوله، وحصلت الهداية بحصوله، أو دبر بمعنى " أقبل " قال قطرب : تقول العرب : دبرني فلان أي جاء خلفي.
ولما أقسم على ما أخبر به من ذكراها، واكده لإنكارهم العظيم لبلاياهم استأنف تعظيمها والتخويف منها تأكيداً للتخويف لما تقدم من الإنكار فقال :﴿إنها﴾ أي النار التي سقر دركة من دركاتها، وزاد في التأكيد على مقتضى زيادتهم في الاستهزاء فقال :﴿لإحدى الكبر *﴾ أي من الدواهي والعظائم، جمع كبيرة وكبرى، وهو كناية عن شدة هولها كما يقول : هو أحد الرجال أي لا مثل له، أو المراد بها واحد سبع هي غاية في الكبر أي دركات النار، وهو جهنم فلظى فالحطمة فالسعير فسقر فالجحيم فالهاوية، هي أحداها في عظيم أقطارها وشديد إيلامها وإضرارها، حال كونها ﴿نذيراً﴾ عظيماً أو من جهة نذارتها أو إنذاراً بالغاً : فعيل بمعنى المصدر مثل ﴿فكيف كان نكير﴾ [الملك : ١٨] أي إنكاري، وعبر بقوله :﴿للبشر *﴾ لما تقدم من الإشارة إلى إسراع الجسم العادي في قبول التأثر لا سيما بالنار.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣٣


الصفحة التالية
Icon