ولما كان الجواب قطعاًك لا شيء لهم في إعراضهم هذا، أضرب عنه بقوله :﴿بل يريد﴾ أي على دعواهم وبزعمهم ﴿كل امرئ منهم﴾ أي المعرضين، مع ادعائه الكمال في المروءة ﴿أن يؤتى﴾ أي من السماء بناه للمفعول لأن مرادهم معروف ﴿صحفاً﴾ أي قراطيس مكتوبة ﴿منشرة *﴾ أي كثيرة جداً وكل واحد منها منشور لا مانع من قراءته وأخذه، وذلك أنهم قالوا للنبي ﷺ : لن نتبعك حتى تأتي كلاًّ منا بكتاب من السماء فيه : من الله إلى فلان اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم.
٢٣٨
ولما كان ذلك إنما هو تعنت، لا أنه على حقيقته قال :﴿كلا﴾ أي ليس لهم غرض في الاتباع بوجه من الوجوه لا بهذا الشرط ولا بغيره :﴿بل﴾ علتهم الحقيقية في هذا الإعراض أنهم ﴿لا يخافون﴾ أي في زمن من الأزمان ﴿الآخرة *﴾ ولما كان فعلهم هذا فعل من يعتقد في القرآن أنه ليس بوعظ صحيح يستحق أن يتبع، قال رادعاً لهم عن هذا اللازم :﴿كلا﴾ أي ليس الأمر قطعاً كما تزعمون من أن هذا القرآن لا يستحق الإقبال، ثم أستأنف قوله مؤكداً لأجل ما تضمن هذا الفعل من إنكارهم :﴿أنه﴾ أي القرآن ﴿تذكرة *﴾ أي موضع وعظ عظيم يوجب إيجاباً عظيماً اتباعه وعدم الانفكاك عنه بوجه فليس لأحد أن يقول : أنامعذور لأني لم أجد مذكراً ولا معرفاً فإن عنده أعظم مذكر وأشرف مفرق.