ولما صور وقت تأسفه على الدنيا وإعراضه عنها، ذكر غاية ذلك فقال مفرداً النبي ﷺ بالخطاب إشارة إلى أنه لا يفهم هذا حق فهمه غيره :﴿إلى ربك﴾ أي موعد وحكم المحسن إليك بإرسالك وتصديقك في جميع ما بلغته عنه ونصرك على كل من ناواك، لا إلى غيره ﴿يومئذ *﴾ أي إذ وقع هذا الأمر ﴿المساق *﴾ أي السوق وموضع السوق وزمانه، كل ذلك داخل في حكمه، قد انقطعت عنه أحكام أهل الدنيا، فإما أن تسوقه الملائكة إلى سعادة بينة وإما إلى شقاوة بينة، أو هو كناية عن عرضه بعد الموت على الله تعالى فلا ينفعه إذا حقق له الوعظ بالموت قوله : أموت فأستريح، فإنه يرجع بالموت إلى سيده، فإن كان مطيعاً لقيه بما يرضيه، وإن كان عاصياً لقيه بما يلقى به العبد الآبق على قدر إباقه.
٢٥٤
ولما ذكر كراهته للآخرة ذكر أن سببه إفساده ما آتاه الله من قوى العلم والعمل بتعطيلها عن الخير واستعمالهما في الشر فقال مبيناً عمل العبد الموافق والآبق، عاطفاً على ﴿يسأل أيان﴾ [القيامة : ٦] الذي معناه جحد البعث :﴿فلا صدق﴾ - أي هذا الإنسان الذي الكلام فيه - الرسول فيما أخبره بما كان يعمل من الأعمال الخبيثة، ولا إيمانه بالإنفاق في وجوه الخير التي ندب إليها واجبة كانت أو مسنونة، وحذف المفعول لأنه أبلغ في التعميم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٥٣
ولما ذكر أصل الدين، أتبعه فروعه دلالة على أن الكافر مخاطب بها فقال :﴿ولا صلّى *﴾ أي ما أمر به من فرض وغيره، فلا تمسك بحبل الخالق ولا وصل إلى حبل الخلائق على حد ما شرع ما.


الصفحة التالية
Icon