ولما كان خلقه على طبائع مختلفة وأمزجة متفاوتة أعظم لأجره إن جاهد ما يتنازعه من المختلفات بأمر ربه الذي لا يختلف، وكانت أفعاله تابعة لأخلاقه وأخلاقه تابعة لجبلته قال :﴿أمشاج﴾ أي أخلاط - جمع مشج أو مشيج مثل خدن وخدين وأخذان، وخلط وخليط وأخلاط، من مشجت الشيء - إذا خلطته، لأنه من مني الرجل ومني المرأة، وكل منهما مختلف الأجزاء متباين الأوصاف في الرقة والثخن والقوام والخواص تجتمع مع الأخلاط وهي العناصر الأربعة، ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر فيأهما علا كان الشبه له، وما كان من عصب وعظم فمن نظفة الرجل، وما كان من دم ولحم وشعر فمن ماء المرأة، وقال يمان : كل لونين اختلطا فهو أمشاج، وقال قتادة : هي أطوار الخلق من النطفة وما بعدهما، وكما يشبه ما غلب عليه من باطن الأمشاج من الطيب والخبث، وكيفية تمشيجه أن الماء إذا قرار الرحم اختلط بماء المرأة ثم بدم الطمث وخثر حتى صار كالرائب ثم احمر وحينئذ يسمى علقة، فاذا اشتد ذلك الامتزاج وقوي وتمتن حتى استعد لأن يقسم فيه الأعضاء سمي مضغة، فإذا أفيضت عليه صورة الأعضاء صورة الأعضاء وتقسم كساه حينئذ مفيضه عز وجل لحماً، فأفاض عليه القوة العاقلة، ويسمى حينئذ جنيناً، وذلك بعد تقسم أجزائه إلى عظام وعروق وأعصاب وأوتار ولحم، فدور الرأس وشق في جانبيه السمع وفي مقدمه المبصر والأنف والفم، وشق في البدن سائر المنافذ ثم مد اليدين والرجلين وقسم رؤوسها بالأصابع، وركب الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة والكبد - والطحال والرئة والمثانة، فسبحان من خلق تلك الأشياء من نطفة سخيفة مهينة كوّن منها العظام مع قوتها
٢٦١


الصفحة التالية
Icon