ولما أتبعه في الجمعة التنزيه عن النقص، أتبعه هنا الوصف بالكمال فقال :﴿وله﴾ أي وحده ﴿الحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال كلها فلذلك ينزهه جميع مخلوقاته، فمن فهم تسبيحها فذلك المحسن، ومن كان في طبعه وفطرته الأولى بالفهم ثم ضيعه يوشك أن يرجع فيفهم، ومن لم يهيأ لذلك فذلك الضال الذي لا حيلة فيه ﴿وهو﴾ أي وحده ﴿على كل شيء﴾ أيّ أي ممكن أن يتعلق به المشيئة ﴿قدير *﴾ لأنه واحده بكل شيء مطلقاً عليم، لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الأشياء كلها على حد سواء وهذا واضح جداً، ولأن من عرف نفسه بالنقص عرف ربه بالكمال وقوة السلطان والجلال.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير رحمه الله تعالى : لما بسط في السورتين قبل من حال من حمل التوراة من بني إسرائيل ثم لم يحملها، وحال المنافقين المتظاهرين بالإسلام، وقلوبهم كفرا وعناداً متكاثفة الإظلام، وبين خروج الطائفتين عن سواء السبيل المستقيم، وتنكبهم عن هدى الدين القويم، وأوهم ذكر اتصافهم بمتحد أصوافهم خصوصهم في الكفر بوسم الانفراد وسماً ينبئ عن عظيم ذلك الإبعاد، سوى ما تناول غيرهم من أحزاؤ الكفار، فأنبأ تعالى عن أن الخلق بجملتهم وإن تشعبت الفرق وافترقت الطرق راجعون بحكم السوابق إلى طريقين فقال تعالى ﴿هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن﴾ [التغابن : ٢] وقد أوضحنا الدلائل أن المؤمنين على درجات، وأهل الكفر ذو طبقات، وأهل النفاق أدونهم حالاً وأسوأهم كفراً وضلالاً إن المنافقي في الدرك الأسفل من النار " وافتتحت السورة بالتنزيه لعظيم مرتكب المنافقين في جهلهم ولو لم تنطو سورة المنافقين من عظيم مرتكبهم إلى على ما حكاه تعالى من قولهم ﴿لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل﴾ [المنافقين : ٨] وقد أشار


الصفحة التالية
Icon