ولما اوجز في جزاء الكافر، أتبعه جزاء الشاكر وأطنب فيه تأكيداً للترغيب، فإن النفوس بعد كسر الوعيد لها تهتز لأدنى وعد وأقله فكيف بأتمه وأجله، فقال مستنأفاً مؤكداً بتكذيب الكافر مبيناً بذكر الخمر على هذه الصفة أنهم في أنها ما يكون من رغد العيش لأنه يلزم من شربها جميع مقدماتها ومتمماتها :﴿إن الأبرار﴾ بخصوصهم من عموم الشاكرين جمع بر كأرباب جمع رب، أو بار كأشهاد جمع شاهد، وهم الذين سمت هممهم عن المستحقرات فظهرت في قلوبهم ينابيع الحكمة فأنفقوا من مساكنة الدنيا ﴿يشربون﴾ أي ما يريدون شربه ﴿من كأس﴾ أي خمر - قاله الحسن وهو اسم لقدح تكون فيه ﴿كان مزاجها﴾ أي الذي تمزج به ﴿كافوراً *﴾ أي لبرده وعذوبته وطيب عرفه، وذكر فعل الكون يدل على أن له شأناً في الزج عظيماً يكون فيه كأنه من نفس الجبلة لا كما يعهد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٦٥
ولما كان الكافور أعلى ما نعهده جامداً، بين أنه هناك ليس كذلك، فقال مبدلاً من " كافور " :﴿عيناً يشرب بها﴾ أي بمزاجها كما تقول : شربت الماء بالعسل ﴿عباد الله﴾ أي خواص الملك الأعظم وأولياؤه أي شراب أرادوه.
٢٦٦
ولما كان المزاج يتكلف لنقله قال :﴿يفجرونها تفجيراً *﴾ أي حال كونهم يشققونها ويجرونها بغاية الكثرة إجراء حيث أرادوا من مساكنهم وإن علت وغيرها.
ولما ذكر جزاءهم على برهم المبين لشكرهم، أتبعه تفصيله فقال مستأنفاً بياناً لأن شكرهم بالعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله وعمارة الظاهر والباطن لأنهم جمعوا بين كرم الطبع ولطافة المزاج الحامل على تجويز الممكن المقتضي للإيمان بالغيب :﴿يوفون﴾ أي على سبيل الاستمرار ﴿بالنذر﴾ وهذا كناية عن وفائهم بجميع أنحاء العبادة لأن من وفى بما أوفى، ويجوز أن يكون النذر كل ما تقدم إليهم فيه سبحانه.