ولما كان ما أعيا الإنسان وشق عليه ثقيلاً قال :﴿ثقيلاً *﴾ أي شديداً جداً لا يطيقون حمل ما فيه من المصائب بسبب أنهم لا يعدون له عدته، فالآية من الاحتباك : ذكر الحب والعاجلة أولاً دلالة على ضدهما ثانياً، اولترك والثقل ثانياً دالالة على ضدهما أولاً، وسر ذلك أن ما ذكره أدل على سخافة العقل بعدم التأمل للعواقب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٧٤
ولما كان تركهم لليوم الثقيل على وجه التكذيب الذي هو أقبح الترك، وكان تكذيبهم لاعتقادهم عدم القدرة عليه قال دالاً على الإعادة بالابتداء من باب الأولى :﴿نحن خلقناهم﴾، بما لنا من العظمة لا غيرنا ﴿وشددنا أسرهم﴾ أي قوينا وأتقنا ربط مفاصلهم الظاهرة والباطنة بالأعصاب على وجه الإحكام بعد كونهم نطفة أمشاجاً في
٢٧٧
غاية الضعف، وأصل الأسر، القد يشد به الأقتاب أو الربط والتوثيق، ولا شك أن من قدر على إنشاء شخص من نطفة قادر على أن يعيده كما كان لأن جسده الذي أنشأه إن كان محفوظاً فالأمر فيه واضح، وإن كان قد صار تراباً فإبداعه منه مثل إبداعه من النطفة، وأكثر ما فيه أن يكون كأبيه آدم عليه السلام بل هو أولى فإنه ترابه له أصل في الحاية بما كان حياً، وتراب آدم عليه السلام لم يكن له أصل قط في الحاية والإعادة أهون في مجاري عادات الخلق من الابتداء، ولذلك قال معبراً بأداة التحقق :﴿وإذا شئنا﴾ أي بما لنا من العظمة أن نبدل ما نشاء من صفاتهم أو ذواتهم ﴿بدلنا أمثالهم﴾ أي بعد الموت في الخلقة وشدة الأسر ﴿تبديلاً *﴾ أو المعنى : جئنا بأمثالهم بدلاً منهم وخلائف لهم، أو يكون المراد - وهو أقعد - بالمثل الشخص أي بدلنا أشخاصهم لتصير بعد القوة إلى ضعف وبعد الطول إلى قصر وبعد البياض إلى سواد وغير ذلك من الصفات كما شوهد في بعض الأوقات في المسخ وغيره، وكل ذلك دال على تمام قدرتنا وشمول علمنا.


الصفحة التالية
Icon