ولما بشر أهل العدل بالفعل المضارع المؤذن بالاستمرار، ولم يجعله ماضياً لئلا يتعنت متعنت ممن هو متلبس بالضلال فيقول : أنا لا أصلح لأنه ما أدخلني، عطف عليه ما لأضدادهم في جملة فعلية بناها على الماضي إعلاماً بأن عذابهم موجود قد فرغ منه فقال :﴿والظالمين﴾ أي وأهان العريقين في وصف المشي على غير سنن مرضى كالماشي في الظلام فهو يدخلهم في نقمته وقد ﴿أعد لهم﴾ أي إعداداً أمضاه بعظمته، فلا يزاد فيه ولا ينقص أبداً ﴿عذاباً أليماً *﴾ فالآية من الاحتاك : ذكر الإدخال والرحمة أولاً دلالة على الضد ثانياً، والعذاب ثانياً دلالة على الثواب أولاً، وسر ذلك أن ما ذكره أولى بترغيب أهل العدل فيه وإن ساءت حالهم في الدنيا، وبترهيب أهل الظلم منه وإن
٢٧٩
حسنت حالهم في الدنيا، فقد رجع هذا الآخر المفصل إلى السعادة والشاقوة على أولها المؤذن بأن الإنسان معتنى به غاية الاعتناء، وأنه ما خلق إلا للابتلاء، فهو إما كافر مغضوب عليه، وإما شاكر منظور بعين الرضى إليه - فسبحان من خلقنا ويميتنا ويحيينا بقدرته والله الهادي.
٢٨٠
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٧٧


الصفحة التالية
Icon