وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : أقسم تعالى بالملائكة المتتابعين في الإرسال، والرياح المسخرة، وولايته بالمطر والملائكة الفارقة بمائة بين الحق والباطل، والملقيات الذكر بالمحوي إلى الأنبياء إعذاراً من الله وإنذاراً، أقسم تعالى بما ذكر من مخلوقاته على صدق الموعود به في قوله :﴿إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيراً﴾ [الإنسان : ٤] الآيات وقوله :﴿إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً فمطريراً﴾ [الإنسان : ١٠] وقوله :﴿وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً﴾ [الإنسان : ١٢] الآيات إلى ﴿وكان سعيكم مشكوراً﴾ [الإنسان : ٢٢] وقوله :﴿ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً﴾ [الإنسان : ٢٧] وقوله :﴿يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً﴾ [الإنسان : ٣١] ولو لم يتقدم إلا هذا الوعد والوعيد المختتم به السورة لطابقه افتتاح الأخرى قسماُ عليه أشد المطابقة، فكيف وسورة ﴿هل أتى على الإنسان﴾ [الإنسان : ١] مواعد أخراوية وإخبارات جزائية، فأقسم سبحانه وتلى على صحة الوقوع، وهو المتعالي الحق وكلامه الصدق - انتهى.
ولما كان من المعلوم أنهم يقولون استهزاء : متى هو ؟ وكان وقته مما استأنثر الله بعلمه لأن إخفاءه عن كل أحد أوقع في النفوس وأهيب عند القعول، سبب عن ذلك قوله ذاكراً ما لا يتحتمله العقول لتزداد الهيبة ويتعاظم الخوف معبراً بأدة التحقق :﴿فإذا النجوم﴾ أي على كثرتها ﴿طمست *﴾ أي أذهب ضوءها بأيسر أمر فاستوت مع بقية السماء، فدل طمسها على أن لفاعله غاية القدرة، وأعاد الظرف تأكيداً للمعنى زيادة في التخويف فقال :﴿وإذا السماء﴾ أي على عظمتها ﴿فرجت *﴾ أي انشقت فخربت
٢٨٣
السقوف وما بها من القناديل بأسهل أمر ﴿وإذا الجبال﴾ أي على صلابتها ﴿نسفت *﴾ أي ذهب بها كلها بسرعة ففرقتها الرياح، فكانت هباء منبثاً فلم يبق لها أثر، وذلك كما ينسف الحب، فزال ثبات الأرض بالأسباب التي هي الرواسي، لأن تلك الدار ليست بدار أسباب.