يوعد به بعد البعث، أتبعه الدلالة بابتداء الخلق وهو أدل فقال مقرراً ومنكراً على من يخالف علمه بذلك عمله :﴿ألم نخلقكم﴾ أي أيها المكذبون بما لنا من العظمة التي لا تعشرها عظمة ﴿من ماء مهين *﴾ أي نطفة مذرة ذليلة، وهو من مهن بالفتح، قال في القاموس : والمهين : الحقير الضعيف والقليل ﴿فجعلناه﴾ أي بما لنا من العظمة بالإنزال لذلك الماء في الرحم ﴿في قرار مكين *﴾ أي محفوظ مما يفسده من الهواء وغيره ومددنا ذلك لأجل التطوير في أطوار الخلقة والتدوير في أدوار الصنعة ﴿إلى قدر﴾ أي مقدار من الزمان قدره الله تعالى للولادة ﴿معلوم *﴾ أي عندنا من تسعة أشهر للولادة إلى ما فوقها أو دونها لا يعلمه غيره.
ولما كان هذا عظيماً ترجمه وبينه معظماً له بقوله :﴿فقدرنا﴾ أي بعظمتنا على ذلك أو فجعلناه على مقدار معلوم من الأرزاق والآجال والأعمال ﴿فنعم القادرون *﴾ نحن مطلقاً على ذلك وغيره، أو المقدرون في تلك المقادير لما لنا من كمال العظمة بحيث نجعل ذلك بمباشرة من أردناه منه بطوعه واختياره.
ولعل التعبير بما قد يفيد مع العظمة الجمع لما أقام سبحانه في ذلك من الأسباب بالملائكة وغيرها، وفيه مع ذلك ابتلاء للعباد الموحد منهم والمشرك :﴿ويل يومئذ﴾ أي إذ كان ذلك ﴿للمكذبين *﴾ أي بالناشرات التي نشرت تلك النفوس وكل ما يراد نشره وهم يعلمون قدرتنا على ما ذكر وتقديره من ابتدائنا لخلقهم وغيره مما يفيد كمال القدرة وهم يكذبون بالبعث ولا يقيسونه بمثله.