ولما دل بابتداء الخلق على تمام قدرته، أتبعه الدلالة بانتهاء أمره وأثنائه وانما دبر فيهما من المصالح فقال :﴿ألم نجعل﴾ أي نصير ما سببنا بما لنا من العظمة ﴿الأرض كفاتاً *﴾ أي وعاء قابلة لجمع ما يوضع فيه وضمه جميعاً فيه فتك وهدم، وهو اسم لما يكفت من الحديد مثلاً أي يغلف بالفضة ويضم ويجمع، كالضمام والجماع لما يضم ويجمع، أو هو مصدرنعت به أوجمع كافتة، كصائمة وصيام أو جمع كفت وهو الوعاء، ولو شئنا لجعلناها ناشرة لكم إذا وضعتم فيها كما تنشر النبات، وسنجعل ذلك إذا أردنا البعث، ولما كان من المعلوم أنه حذف المفعول وهو لكم، أبدى حالة دالة أيضاً عليه فقال :﴿أحياء﴾ أي على ظهرها في الدور وغيرها ﴿وأمواتاً *﴾ أي في بطنها في القبور وغيرها كما كنتم قبل خلق آدم عليه السلام.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
ولما ذكر ما تغيبه من جبال العلم والملك وغيرهما، أتبعه ما تبرزه من الشواهق إعلاماً بأنه لو كان للطبيعة ما كان الأمر هكذا، فإنه لا يخرج هذه الجبال العظيمة على ما لها من الكبر والرسوخ والثقل والصلابة وغير ذلك من العظمة إلا الفاعل المختار، هذا إلى ما يحفظ في أعاليها من المياه التي تنبت الأشجار وتخرج العيون
٢٨٦
والأنهار، بل أكثر ما يخرج من المياه هو منها، وكذا غالب المنافع من المعادن وغيرها قال :﴿وجعلنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿فيها﴾ أي الأرض ﴿رواسي﴾ لولاها لمادت بأهلها، ومن العجائب أن مراسيها من فوقها خلافاً لمراسي السفن ﴿شامخات﴾ أي هي مع كونها ثوابت في أنفسها مثبتة لغيرها طوال جداً عظيمة الارتفاع كأنها قد تكبرت على بقية الأرض وعلى من يريد صعودها، وتنكيره للتعظيم.