ولما كان من العجائب الخارقة للعوائد فوران الماء الذي من طبعه أن يغور لا أن يفور لما له من الثقل واللطافة التي أفادته قوة السريان في الأعماق وفي كون ذلك منه من موضع من الأرض دون آخر، وكونه من الجبال التي هي أصل الأرض ومن صخورها غالباً دلالة ظاهرة على أن الفعل للواحد المختار الجبال القهار لا للطبائع قال :﴿وأسقيناكم﴾ أي جعلنا لكم بما لنا من العظمة شراباً لسقيكم وسقي ما تريدون سقيه من الأنعام والحرث وغير ذلك ﴿ماء﴾ من لأنهار والغدران والعيون والآبار وغيرها ﴿فراتاً *﴾ أي عظيماً عذاباً سائغاً وقد كان حقيقاً بأن يكون ملحاً أجاجاً لما للأراضي الممسكة له من ذلك.
ولما كان في هذا دلالة على ظاهرة على قدرته على البعث وغيره قال :﴿ويل يومئذ﴾ أي يوم إذ تقوم الساعة ليكون الفصل بين العباد فساقها مساق ما هو ثابت لا نزاع فيه إشارة إلى أننه لا يكذب بها بعد ظهور الأدلة إلا من لا مسكة له ﴿للمكذبين *﴾ أي الذين هم في غاية الرسوخ في التكذيب حتى كذبوا بما لنا في هذا من الفرق الذي فرقنا به بين أرض وأخرى حتى جعلنا بعضها صالحاً لانفراق أرضه عن الماء، وبعضها غير صالح وجعلنا بعضها قابلاً للجبال وبعضها غير قابل - إلى غير ذلك من الفروق البديعة.
ولما وصلت أدلة الساعة في الظهور إلى حد لا مزيد عليه، وحكم على المكذبين بالويل مرة، وأكد بثلاث، فكان من حق المخاطب أن يؤمن فلم يؤمن، أمر بما يدل على الغضب فقال تعالى معلماً لهم بما يقال يوم القيامة إذا يحل بهم الويل :﴿انطلقوا﴾ أي أيها المكذبون ﴿إلى ما كنتم﴾ أي بما هو لكم كالجبلة ﴿به تكذبون *﴾ عدماً، وتجددون ذلك التكذيب مستمرين عليه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon