ولما كان المراد زيادة تبكيتهم وتقريعهم والتهويل عليهم، كرر الأمر واصفاً ما أمروا بالانطلاق إليه فقال :﴿انطلقوا﴾ هذا على قراءة الجماعة، وقراءة رويس عن يعقوب بصيغة الماضي للدلالة على تمام انقيادهم هناك، وأنه لا شيء من منعه عندهم
٢٨٧
أصلاً، وهي استئنافية لجواب من يقول : ما كان حالهم عند هذا الأمر الفظيع ؟ ﴿إلى ظل﴾ أي من دخان جهنم الذي سمي باليحموم لما ذكر في الواقعة ﴿ذي ثلاث شعب *﴾ ينشعب من عظمه كما ترى الدخان العظيم يتفرق ذوائب، وخصوصية الثلاث لأن التكذيب بالله وكتبه ورسله، فتعذبهم كل واحدة منها عذاباً يعلمون هناك لأي تكذيبه منها هي، أو لأن الحاجب عن أنوار القدس الحس والخيال والوهم، او لأن السبب فيه القوة الوهمية الحالة في الدماغ، والغضبية التي في عين القلب، والشهوية التي في يساره، وقيل : تخرج عنق من النار تكون ثلاث فرق : نار ونور ودخان، يقف النورعلى المؤمنين، واللهب الصافي على الكافرين، والدخان على المنافقي، تكون كذلك إلى حين الفراغ من الحساب، وقال الرازي : الشعب لهب وشرر ودخان.
ولما كان المبتادر من الظل ما يستروح إليه فظنوا ذلك، أزال عنهم هذا التوهم على طريق التهكم بهم ليكون أشد في النكال فقال واصفاً لـ " ذي " :﴿لا ظليل﴾ أي من الحر بوجه من الوجوه.
ولما كان ما انتفى عنه غزارة الظل التي أفهمتها صيغة المبالغة قد يكون فيه نفع ما قال :﴿ولا يغني﴾ أي شيئاً من إغناء ﴿من اللهب *﴾ أي هذا الجنس.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon