ولما بين أن هذا الظل في العذاب، وكان من المعلوم أنه لا يكون دخان إلا من نار، قال مبيناً أنه لو كان هناك ظل ما أغنى :﴿إنها﴾ أي النار التي دل عليها السياق ﴿ترمي﴾ أي من شدة الاستعار ﴿بشرر﴾ وهو ما تطاير من النار إذا التهبت، واحدتها شرارة وهي صواعق تلك الدار ﴿كالقصر *﴾ أي كل شرارة منها كأنها قصر مشيد من عظمها وقيل : هو الغليظ من الشجر، الواحدة قصر مثل جمر وجمرة، وهي اسم جنس جمعي لم يستعمل إلى في جمع فهو شامل لكثير الجموع وقليلها، وكذا كل ما فرق بين واحدة وجمعه التاء وليس بجمع لأنه ليس بجمع سلامة وهو ظاهر ولا تكسير لأن أوزانه معروفة وليس منها فعل وليس بجنس، فإنه لا يشمل ما دون الجمع ومن عظمة شرارها تعرف عظمة جمرها.
ولما شبهه في عظمه، شبهه في لونه فقال :﴿كأنه جملات﴾ جمع
٢٨٨
جمالة جمع جمل مثل حجارة وحجر للدلالة مع كبره على كثرته وتتابعه واختلاطه وسرعة حركته، ومن قرأ بضم الجيم فهو عنده جمع جمالة وهي الحبل الغليظ من حبال السفينة - شبهه به في امتداده والتفافه، ولا تنافي فإن الشرر منه ما هو كما تقدم ﴿صفر*﴾ جمع أصفر للون المعروف، وقيل : المراد به سواد يضرب إلى صفرة كما هي ألوان الجمال.
ولما كان هذا أمراً هائلاً كانت ترجمته :﴿ويل يومئذ﴾ أي إذ يكون ذلك ﴿للمكذبين *﴾ أي العريقين في التكذيب بإلقاء الذكر على الأنبياء للبشارة والندارة.
ولما دلت قراءة " انطلقوا " بالفتح على امتثالهم للأمر من غير أن ينبسوا بكلمة، صرح به فقال دالاً على ما هم فيه من المقت والغضب :﴿هذا﴾ أي الموقف الذي هو بعض مواقف ذلك اليوم، سمي يوماص لتمام أحكامه، فلذا قال مخبراً عن المبتدأ :﴿يوم لا ينطقون *﴾ أي ببنت شفة من شدة الحيرة والدهشة في بعض المواقف، وينطقون في بعضها فإنه يوم طويل ذو ألوان - كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، أو لا ينطقون بما ينفعهم لأنهم كانوافي الدنيا لا ينطقون بالتوحيد الذي ينفعهم.