جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٨
ولما كانوا لا يقدروا على شيء ما إلا بإذن الله، وكان الموجع لهم عدم الإذن، بني للمفعول قوله دلالة على عدم ناصر لهم أو فرج يأتيهم :﴿ولا يؤذن﴾ أي من آذن ما ﴿لهم﴾ أي في كلام أصلاً، ولما كان المراد أنه لا يوجد لهم إذن ولا يوجد منهم اعتذار من غير أن ينظر إلى تسببه عن عدم الإذن لئلا يفهم أن لهم عذراً ولكنهم لم يبدوه لعدم الإذن، قال رافعاً عطفاً على " يؤذن " ﴿فيعتذرون *﴾ فدل ذلك على نفي الإذن ونفي الاعتذار عقبه مطلقاً، ولو نصبه لدل على أن السبب في عدم اعتذارهم عدم الإذن فينقض المعنى.
ولما كان هذا أمراً فظيعاً ترجمه بقوله :﴿ويل يومئذ﴾ أي إذ كان هذا الموقف ﴿للمكذبين *﴾ أي العريقين في التكذيب الإخبار بطمس النجوم فجعلت عقوبتهم سكوتهم الذي هو ذهاب نور الإنسان ليكون كالطمس كذبوا به.
ولما ذكر حيرتهم ودهشتهم التي هي أمارة قول الحكم، وكانت مواطن ذلك اليوم تسمى أياماً لتمام الأحكام في كل مواطن منها، وتميزه بذلك عما عداه، قال :﴿هذا﴾ أي ذلك اليوم كله ﴿يوم الفصل﴾ أي بين ما اختلف فيه العباد من الحق والباطل العالي والسافل ؛ ثم استأنف قوله :﴿جمعناكم﴾ أي يا مكذبي هذه الأمة لنا من العظمة ﴿والأولين *﴾ أي الذين تقدم أنا أهلكناهم، وقد كانوا أكثر منكم عدداً وأعظم عدداً لنفصل بين المتنازعين ونصلي العذاب ونجزي بالثواب، وقد كان منكم من يقول : أنا
٢٨٩
أكفي عشرة من ملائكة النار، ثم أشار إلى انقطاع الأسباب فقال مسبباً عن ذلك :﴿فإن كان لكم﴾ أي أيها المكذبون على وجه هو ثابت من ذواتكم ﴿كيد﴾ أي مقاواة بنوع حيلة أو شدة ﴿فكيدون *﴾ تقريع لهم على كيدهم لأوليائنا المؤمنين في الدنيا - بما مكنهم به من الأسباب وتنبيه على أنه من آذى وليه فقد آذنه بالحرب على أنهم عاجزون.