ولما فرغ من آئسات الحوامل أتبعه ذكر الحوامل فقال :﴿وأولات الأحمال﴾ أي من جميع الزوجات المسلمات والكفار المطلقات على كل حال والمتوفى عنهن إذا كان حملهن من الزوج مسلماً كان أو لا ﴿أجلهن﴾ أي لمنتهى العدة سواء كان لهن مع الحمل حي أم لا ﴿أن يضعن﴾ ولما كان توحيد الحمل لا ينشأ عنه لبس، وكان الجمع ربما أوهم أنه لا تحل واحدة منهن حتى يضع جمعاً قال :﴿حملهن﴾ وهذا على عمومه مخصص لآية ﴿يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً﴾ [البقرة : ٢٣٤] لأن المحافظة على عمومه أولى من المحافظة على عموم ذلك في قوله :﴿أزواجاً﴾ لأن عموم هذه بالذات لأن الموصول من صيغ العموم، وعموم ﴿أزواجاً﴾ بالعرض لأنه بدلي لا يصلح لتناول جميع الأزواج في حال واحد، والحكم معلل هنا بوصف الحملية بخلاف ذاك ولأن سبيعة بنت الحارث وضعت حملها بعد وفاة زوجها بليال، فأذن لها النبي ﷺ أن تتزوج، ولأن هذه الآية متأخرة النزول عن آية البقرة، فتقديمها على تلك تخصيص، وتقديم تلك في العمل بعمومها رفع لما في الخاص من الحكم فهو نسخ والأول هو الراجح للوفاق عليه، فإن كان الحمل من زنا أو شبهة فلا حرمة له، والعدة بالحيض.
ولما كانت أمور النساء في المعاشرة والمفارقة من المعاسرة والمياسرة في غاية المشقة، فلا يحمل على العدل فيها والعفة إلا خوف الله، كرر تلميعاً بالحث على التقوى إشارة إلى ذلك وترغيباً في لزوم ما حده سبحانه، فقال عاطفاً على ما تقديره : فمن لم يحفظ هذه الحدود عسر الله عليه أموره :﴿ومن يتق الله﴾ أي يوجد الخوف من
٣٢
الملك الأعظم إيجاداً مستمراً ليجعل بينه وبين سخطه وقاية من طاعاته اجتلاباً للمأمور واجتناباً للمنهي ﴿يجعل له﴾ أي يوجد إيجاداً مستمراً التقوى " إن الله لا يمل حتى تملوا " ﴿من أمره﴾ أي كله في النكاح وغيره ﴿يسراً *﴾ أي سهولة وفرجاً وخيراً في الدارين بالدفع والنفع، وذلك أعظم من مطلق المخرج المتقدم في الآية الأولى.


الصفحة التالية
Icon