ولما كان تكرير الحث على التقوى للسؤال عن سببه، استأنف قوله كالتعليل له :﴿ذلك﴾ أي الأمر المذكور من جميع هذه الأحكام العالية المراتب ﴿أمر الله﴾ أي الملك الأعلى الذي له الكمال كله، ونبه على علو رتبة الأمر بقوله :﴿أنزله إليكم﴾ ولما كان التقدير : فمن أباه هوى في مهاوي المهلكات إلى أسفل سافلين، عطف عليه قوله :﴿ومن يتق الله﴾ أي الذي لا أمر لأحد معه بالاجتلاب والاجتناب، ولما كان الإنسان محل العجز والنقصان، أنسه بأنه إذا وقع منه زلل فراجعه بالتقوى لطف به فيه جزاء على تقواه بالدفع والنفع فقال :﴿يكفر﴾ أي يغطي تغطية عظيمة ويتسر ويغيب ويسقط ﴿عنه﴾ جميع ﴿سيئاته﴾ ليتخلى عن المبعدات فإن الحسنات يذهبن السيئات.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣١
ولما كان الكريم لا يرضى لمن أقبل إليه بالعفو فقط قال :﴿ويعظم له أجراً *﴾ بأن يبدل سيئاته حسنات ويوفيه أجرها في الدارين مضاعفاً فيتحلى بالمقربات، وهذا أعظم من مطلق اليسر المقتدم.
ولما قدم التكفير وأتبعه الأجر الكبير، وكان قد تقدم إيجاب ترك المطلقة في منزل الطلاق وأذن في إخراجها عند الفاحشة المبينة، وكان ربما كان منزل الطلاق مستعاراً، وكان مما لا يليق بالزوج، وكان ربما نزل الكلام السابق عليه، استأنف البيان له بما لا يحتمل لبساً فقال آمراً بعد ذلك النهي على وجه مشير بسابقه ولاحقه إلى الحلم عنهن فيما يمكن الحلم فيه حفظاً للقلوب وإبعاداً للشقاق بعد الإيحاش باطلاق لئلا يعظم الكسر والوحشة :﴿أسكنوهن﴾ أي هؤلا ءالمفارقات في العدة إن كن مطلقات حاملات كن أو لا مبتوتات كن أو رجعيات بخلاف ما كان من العدة عن وفاة بغير حمل او كان عن شبهة أو فسخ.
ولما كان المراد مسكناً يليق بها وإن كان بعض مسكن الرجل، إدخل أداة التبعيض فقال :﴿من حيث سكنتم﴾ أي من أماكن سكناكم لتكون قريبة منكم ليسهل تفقدكم لها للحفظ وقضاء الحاجات.


الصفحة التالية
Icon