ولما كان في مقام التفخيم له، وصفه تأكيداً بقوله :﴿العظيم *﴾ مع أن النبأ لا يقال إلا لخبر عظيم شأنه، ففي ذلك كله تنبيه على أنه من حقه أن يذعن له كل سامع ويهتم بأمره، لا أن يشك فيه ويجعله موضعاً للنزاع ؛ وعظم توبيخهم بقوله :﴿الذي هم﴾ أي بضمائهرهم مع ادعائهم أنها أقوم الضمائر ﴿فيه مختلفون *﴾ أي شديد اختلافهم وثباتهم فبعضهم صدق وبعضهم كذب، والمكذبون بعضهم شك وبعضهم جزم وقال بعضهم : شاعر، وبعضهم : ساحر - إلى غير ذلك من الأباطيل، وذلك الأمر هو أمر النبي ﷺ الذي أهمه البعث بعد الموت اشتد التباسه عليهم وكثرت مراجعتهم في ومساءلتهم عنه مع عظمه وعظم ظهوره، والعظيم لا ينبغي الاختلاف فيه بوجه، فإن ذا المروءة لا ينبغي له أن يدخل في أمر إلا وهو على بصيرة فكيف به إذا كان عظيماً فكيف به إذا تناهى عظمه فكيف به إذا كان أهم ما يهمه فإنه يتعين عليه أن يبحث عنه غاية البحث ويطلب فيه الأدلة ويفحص عن البراهين ويستوضح الحجج حتى يصير من أمره بعد علم اليقين إلى عين اليقين من حين يبلغ مبلغ الرجال إلى أن يموت فكيف إذا كان بحيث تتلى عليهم الأدلة وتجلى لديه قواطع الحجج وتجلب إليه البينات وهو يكابر فيه ويماري، ويعاند ويداري.
قال الإمام أبو جعفر بن الزبير : سورة النبأ أما مطلقها فمرتب على تساؤل واستفهام وقع منهم وكأنه وارد هنا في معرض العدول والالتفات، وأما قوله :﴿كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون﴾ [النبأ : ٤ - ٥] فمناسب للوعيد المتكرر في قوله :﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ [المرسلات : ١٩] وكأن قد قيل : سيعلمون عاقبة تكذيبهم، ثم أورد تعالى من جميل صنعه وما إذا اعتبره المعتبر علم أنه لم يخلق شيء منه عبثاً بل يعتبر به ويستوضح وجه
٢٩٥


الصفحة التالية
Icon