الحكمة فيه، فعلم أنه لا بد من وقت ينكشف فيه الغطاء ويجازي الخلائق على نسبة من أحوالهم في الاعتبار والتدبر والخضوع لمن نصب مجموع تلك الدلائل، ويستشغر من تكرار الفصول وتجدد الحالات وإحياء الأرض بعد موتها، جرى ذلك في البعث واطراد الحكم، وإليه الإشارة بقوله :﴿كذلك نخرج الموتى﴾ [الأعراف : ٥٧] وقال تعالى منبهاً على ما ذكرناه ﴿ألم نجعل الأرض مهاداً﴾ [النبأ : ٦] إلى قوله :﴿وجنات ألفافاً﴾ [النبأ : ١٦] فهذه المصنوعات المقصود بها الاعتبار كما قدم، ثم قال تعالى :﴿إن يوم الفصل كان ميقاتاً﴾ [النبأ : ١٧] أي موعداً لجزائكم لو اعتبرتم بما ذكر لكم لعلمتم منه وقوعه وكونه ليقع جزاؤكم على ما سلف منكم " فويل يومئذ للمكذبين " ويشهد لهذا القصد ما بعد من الآيات قوله تعالى لما ذكر ما أعد للطاغين :﴿إنهم كانوا لا يرجون حساباً وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتاباً﴾ [النبأ : ٢٧ - ٢٩] ثم قال بعد :﴿إن للمتقين مفازاً حدائق وأعناباً﴾ [النبأ : ٣١ - ٣٢] وقوله بعد :﴿ذلك اليوم الحق﴾ وأما الحياة الدنيا فلعب ولو وإن الدار الآخرة لهي الحيوان، وقوله بعد :﴿يوم ينظر المرء ما قدمت ياده ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً﴾ [النبأ : ٤٠] انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٩٤
ولما كان الأمر من العظمة في هذا الحد قال مؤكداً لأن ما اختلفوا فيه وسألوا عنه ليس موضعاً للاختلاف والتساؤل بأداة الردع، فقال تهديداً لهم وتوكيداً لوعيدهم :﴿كلا﴾ أي ليس ما سألوا عنه واختلفوا فيه بموضع اختلاف أصلاً، ولا يصح أن يطرقه ريب بوجه من الوجوه فلينزجروا عن ذلك وليرتدعوا قبل حلول ما لا قبل لهم به.


الصفحة التالية
Icon