ولما ذكر النوم، اتبعه وقته الأليق به مذكراً بنعمة الظرف الزماني بعد التذكير بالظرف المكاني، فقال دالاً بمظهر العظمة على عظمه :﴿وجعلنا الّيل﴾ أي بعد ذهاب الضياء حتى كأنه لم يكن ﴿لباساً *﴾ أي غطاء وغشاء ساتراً بظلمته ما أتى عليه عن العيون كما يستره اللباس لتسكنوا فيه عن المعاش ﴿وجعلنا النهار﴾ أي الذي آيته الشمس ﴿معاشاً *﴾ أي وقتاً للتقلب الذي هو من أسباب التحصيل الذي هو من أسباب المعاش، وهو العيش ووقته وموضعه، مظهراً لما ستره الليل، فالآية من الاحتباك : ذكر اللباس أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً والمعاش ثايناً دليلاً على حذف ضده أولاً.
ولما ذكر المهاد وما فيه، أتبعه السقف الذي بدورانه يكون الوقت الزمان وما يحويه من القناديل الزاهرة والمنافع الظاهرة لإحياء المهاد ومن فيه من العباد فقال :﴿وبنينا﴾ أي بناء عظيماً ﴿فوقكم﴾ أي عاماً لجميع جهة الفوق، وهي عبارة تدل على الإحاطة ﴿سبعاً﴾ أي من السماوات ﴿شداداً *﴾ أي هي في غاية القوة والإحكام، لا صدع فيها ولا فتق، لا يؤثر فيها كر العصور ولا مر الدهور، حتى يأتي أمر الله بإظهار عظائم المقدور.
ولما ذكر السقف : ذكر بعض ما فيه من أمهات المنافع فقال دالا بمظهر العظمة على عظمها :﴿وجعلنا﴾ أي مما لا يقدر عليه غيرنا ﴿سراجاً﴾ أي نجماً منيراً جداً ﴿وهاجاً *﴾ أي هو مع تلألئه وشدة ضيائه حار مضطرم الاتقاد وهو الشمس، من قولهم : وهج الجوهر : تلألأ، والجمر : اتقد.


الصفحة التالية
Icon