ولما ذكر ما دل على غاية القدرة ونهاية الحكمة فدل قطعاً على الوحدانية لأنه لو كان التعدد لم تكن الحكمة ولم تتم القدرة، فأثمر المحبة لمن اتصف بذلك، فأنتج للطائع الشوق إلى لقائه والترامي إلى مطالعة كما نعمائه، وللعاصي ما هو حقيق به من الخوف من لقائه ليرده ذلك عن إعراضه وإبائه، أتبع ما أعلم أنه ما ذكره إلا للدلالة على النبأ العظيم في لقاء العزيز الرحيم، فقال منتجاً عما مضى من الوعيد وما دل على تمام القدرة مؤكداً لأجل إنكارهم :﴿إن يوم الفصل﴾ أي الذي هو النبأ العظيم، وتقدم الإنذار به في المرسلات وما خلق الخلق إلا لجمعهم فيه وإظهار صفات الكمال ليفصل فيه بين كل ملبس فصلاً لا شبهة فيه ويؤدخ للمظلوم من الظالم ﴿كان﴾ أي في علم الله وحكمته كوناً لا بد منه جعل فيه كالجبلة في ذوي الأرواح ﴿ميقاتاً *﴾ أي حداً يوقت به الدنيا وتنتيه عنده مع ما فيها من الخلائق.
ولما ذكره، ذكر ما يه تعظيماً له وحثاً على الطاعة فقال مبدلاً منه أو مبيناً له :﴿يوم﴾ ولما كان الهائل المفزع النفخ، لا كونه من معين، بنى للمفعول قوله ﴿ينفخ﴾ أي من نافخ أذن الله له ﴿في الصور﴾ وهو قرن من نور على ما قيل سعته أعظم ما بين السماء والأرض وهي نفخة البعث وهي الثانية من النفاخات الأرض كما مر في آخر الزمر، ولذلك قال :﴿فتأتون﴾ أي بعد القيام من القبور الموقف أحياء كما كنتم أول
٢٩٩