مرة لا تفقدون من أعضائكم وجلودكم وأشعاركم وأظفاركم وألوانكم الأصلية شيئاً يجمعكم من الأرض بعد أن تمزقتم فيها، واختلط تراب من بلي منكم بترابها وتراب بعضكم ببعض، وتمييز ذلك وجمع وتركيبه كما كان وإعادة الروح فيه يسير عليه سبحانه وتعالى كما فعل ذلك كله من نطفة بعد أن فعله في آدم عليه السلام من تراب لا أصل له في الحياة، حال كونكم ﴿أفواجاً *﴾ أي أمماً وزمراً وجماعات مشاة مسرعين كل أمة بإمامها، روى الثعلبي وابن مدرويه عن البراء رضي الله عنهم - وقال شيخنا ابن حجر في ترجمة محمد بن زهير في لسان الميزان : إنه ظاهر الوضع - أن معاذاً رضي الله عنه سأل عن هذه الأفواج فقال النبي ﷺ :"إن أمتي تحشر على عشرة أصناف : على صور القردة، وعلى صور الخنازير، وبعض منكسون يسحبون على وجوههم، وبعض عمي وبعض صم بكم، وبعض يمضغون ألسنتهم، فهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع، وبعض منقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعض مصلبون على جذوع من نار، وبعض أشد نتناً من الجيف، وبعض ملبسون جباباً سابغة من قطرن لازقة بجلودهم، فسرهم بالقتات وآكلي السحت وأكلة الربا والجائرين في الحكم والمعجبين بأعمالهم والعلماء الذي يخالف قولهم فعلهم والمؤذين للجيران والساعين بالناس للسطان، والتابعين للشهوات المانعين حق الله تعالى والتكبرين خيلاء ".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٩٩
ولما ذكر الآية في أنفسهم ذكر بعض آيات الآفاق، وبدأ بالعلوي لأنه أشرف فقال بانياً للمفعول لأن المفزع مطلق التفتيح، ولأن ذلك أدل على قدرة الفاعل وهوان الأمور عليه :﴿وفتحت السماء﴾ أي شقق هذا الجنس تشقيقاً كبيراً، وقرأ الكوفيون بالتخفيف لأن التكثير يدل عليه ما سبب عن الفتح من قوله :﴿فكانت﴾ أي كلها كينونة كأنها جبلة لها ﴿أبواباً﴾ أي كثيرة جداً لكثرة الشقوق الكبيرة بحيث صارت كأنها لا حقيقة لها إلا الأبواب.