ولما ذكر السقف، ذكر أقرب الأرض إليه وأشدها، فقال على طريقة كلام القادرين أيضاً :﴿وسيرت﴾ أي حملت بأيسر أمر على السير ﴿الجبال﴾ على ما تعلمون من صلابتها وصعبوتها في الهواء كأنها الهباء المنثور، وعلى ذلك دل قوله :﴿فكانت﴾ أي كينونة راسخة ﴿سراباً *﴾ أي لا نرى فيها إلا خيالاً يتراءى وهي سائرة تمر مر السحاب ثم تخفى لتناثر أجزائها كالهباء - يا لها من عظمة تجب لها القلوب وتتعاظم الكروب.
٣٠٠
ولما بين أن يوم الفصل هو النبأ العظيم بعد أن دل عليه وذكر ما فيه من المسير، ذكر ما إليه من الدارين المصير، فقال بعد التذكير بما في الجبال من العذاب بحزونتها وما فيها من السباع والحشرات والأشجار الشائكة والقواطع المتسابكة وغير ذلك من عجائب التقدير مؤكداً لتكذيبهم :﴿إن جهنم﴾ أي النار التي تلقى أصحابها متجهمة لهم بغاية ما يكرهون ﴿كانت﴾ أي جبلة وخلقاً ﴿مرصاداً *﴾ أي موضع رصد لأعداء الله ترصدهم فيها خزنة النار، فإذا رأوهم كدرسوهم فيها، ولأولياء الله ترصدهم فيها خزنة الجنة لإنجائهم من النار عند ورودها أوهي راصدة بليغة الرصد للكفار حتى صارت مجسدة من الرصد لتجمع أصحابها فلا يفوت منهم واحد كالمطعان لكثير الطعن، مجالس يسأل عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله، فإن جاء بها تامة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصلاة، فإن جاء بها تامة جاز إلى الثالث فيسأل عن لزكاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع فيسأل عن الصوم، فإن جاء به تاماً جاز إلى الخامس فيسأل عن الحج، فإن جاء به تاماً جاز إلى السادس فيسأل عن العمرة فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع فينسأل عن المظالم، فإن خرج منها وإلا قيل : انظروا فإن كان له تطوع تكمل به أعماله.
فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة.