ولما كان درء المفاسد أولى من جلب المصالح، قدم ذكر المخوف فقال :﴿للطاغين﴾ أي المجاوزين لحدود الله ﴿مآباً *﴾ أي مرجعاً ومأوى بعد أن كان الله ذرأهم لها فكأنهم كانوا فيها ثم هيأهم للخروج منها والبعد عنها بفطرهم الأولى، ثم بما أنزل الله من الكتب وأرسل من الرسل فكأنه بذلك أخرجهم منها، ثم رجعوا إليها بما أحدثوا من التكذيب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٩٩
ولما ذكر مصيرهم إليها ذكر إقامتهم فيها فقال حالاً من ضمير " الطاغين " :﴿لابثين فيها﴾ ولما كان جمع القلة يستعار للكثرة فكان الحقب يطلق على الزمان من غير حد، ويطلق على زمان محدود، فقيل على ثمانين سنة، وعلى سبيعن ألف سنة، فكان السياق من تصدير السورة بالنبأ وبوصفه مع التعبير بالنبأ العظيم وما بعد ذلك يفهم أن المراد الدوام إن أريد ما لا حد له وأن المراد إن أريد المحدود جمع الكثرة، وأكثر ما فسر به الحقب، وأنه للمبالغة لا التحديد، كان جمع القلة هنا غير مشكل، فمن حمله على ما دون ذلك فكفاه زاجراً لم يضره التعبير به، من اجترأ عليه واستهان به كان فتنة له كما
٣٠١
كان حصر عدد الخزنة للنار بتسعة عشر فلم يضر إلا نفسه، فلذلك عبر عن ظرف اللبث بقوله :﴿أحقاباً *﴾ أي دهوراً عظيمة متتابعة لا انقضاء لها على أن التبعير به - ولو حمل على الأقل وجعل منقضياً - لا ينافي ما صرح فيه بالخلود لأنه أثبت شيئاً ولم ينف ما فوقه، وعن الحسن أنه قال : لا يكاد يذكر الحقب إلا حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها من غير انقضاء.