ولما كان المسكن لا يصلح إلا بالاعتدال والماء الذي هو حياة كل شيء، قال ذاكراً حال هذا اللبث :﴿لا يذوقون﴾ أي ساعة ما فكيف بما فوق الذوق ﴿فيها﴾ أي النار خاصة، وكأنه أشار بتقديمه إلى أنهم يذوقون في دار أخرى الزمهرير ﴿برداً﴾ أي روحاً وراحة لنفعهم من الحر أو مطلق البرد ﴿ولا شراباً *﴾ من ماء أو غيره بغنيهم من العطش على حال من الأحوال ﴿إلا﴾ حال كون ذلك الشراب ﴿حميماً﴾ أي ماء حاراً يشوي الوجوه قد انتهى حره ﴿و﴾ حال كون ذلك الشراب مع حرارته، أو البر د ﴿غساقاً *﴾ أي عصارة أهل النار من القيح والصديد البارد المنتن، فالاستثناء على هذا موزع الحميم من الشراب والغساق من البرد، فالحميم شرابهم في دولة السعير، والغساق في دولة الزمهرير.
ولما حكم عليهم بهذا العذاب الذي لا يطاق، ذكر حكمته فقال إنه جزاهم بذلك ﴿جزاء وفاقاً﴾ أي ذا وفاق لأعمالهم لأنهم كانوا يأخذون أموال الناس فيحرقون صدورهم عليها ويبردون بها الشراب ويصفونه ويبخرونه، فهم يحرقون الآن بعصارة غيرهم المنتنة، ثم علل عذابهم بقوله، مؤكداً تنبيهاً على أن الحساب من الوضوح بحالة يصدق به كل أحد، فلا يكاد يصدق أن أحداً يكذب به فلا يجوزه فقال :﴿إنهم كانوا﴾ أي بما هو لهم كالجبلة التي لا تقبل غير ذلك فهم يفسدون القوى العلمية بأنهم ﴿لا يرجون﴾ أي في لحال من الأحوال ولو رأوا كل آية ﴿حساباً *﴾ فهم لا يعملون بغير الشهوات، فوافق هذا خلودهم في النار، وعبر عن تكذيبهم بنفي الرجاء لأنه أبلغ، وذلك لأن الإنسان يطمع في الخير بأدنى احتمال.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠١