ولما دل انتفاء رجائهم على تكذيبهم الفسد للقوة العلمية، صرح به على وجه أعم فقال :﴿وكذبوا بآياتنا﴾ أي على ما لها منالعظمة الدالة أنها من عندنا ﴿كذاباً *﴾ بها، فكان تجريعهم لما لا يصح أن يشربه أحد - وإن جرع منه شيئاً مات في الحال من غير موت - لهم جزاء على تكذيبهم بالحوارق التي يرجعون بها لاصادقين أنواع الحرق وقرئ للدلالة على أنهم كذبوا في تكذيبهم.
٣٠٢
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠١
ولما كان التقدير : فكل شيء جعلنا له وزاناً، عطف عليه قوله :﴿وكل شيء﴾ أي مطلقاً من أعمالهم وغيرها أو كل ما يقع عليه الحساب ﴿أحصيناه﴾ ولما كان الإحصاء موافقاً للكتابة في الضبط، أكد فعله بها فقال :﴿كتاباً *﴾ فلا جائز أن نترك شيئاً من الأشياء بغير جزاء، ويمكن تنزيل الآية على الاحتباك وهو أحسن : دل فعل الإحصاء على حذف مصدره، وإُبات مصدر " كتب " عليه أي أحصيناه إحصاء وكتبناه كتاباً، وذلك الإحصاء والكتب لعدم الظلم.
ولما ذكر عذابه ووجه موافقته لجزائهم، سبب عن تكذيبهم ما يقال لهم بلسان الحال أو المقال إهانة وزيادة في الجزاء على طريق الالتفات المؤذن بشدة الخزي والغضب عليهم وكمال القدرة له سبحانه وتعالى فقال : ويجوز أن يكون سبباً عن مقدر بعد " كتاباً " نحو : ليجازيهم على كل شيء منه، قائلاً لهم على لسان الملائكة أو لسان الحال :﴿فذوقوا﴾ أي من هذا العذاب في هذا الحال بسبب تكذيبكم بالحساب، وأكد ذوقهم في الاستقبال فقال :﴿فلن نزيدكم﴾ أي شيئاً من الأشياء في وقت من الأوقات ﴿إلا عذباً *﴾ فإن دراكم ليس بها إلا الجحيم كما أن الجنة ليس بها إلا النعيم، فأفهم هذا أن حصول شيء لهم غير العذاب محال.